“المفصل الضائع”!
ما سمعناه عن عمليات البحث والتدقيق التي تتمّ من أجل معرفة مصير المفصل الصناعي الضائع في أحد المشافي العامة، بعد أن تمّ شراؤه من قبل لجنة المشتريات وانشغال الجهات الرقابية في التحقيق بهذه القضية، يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات حول حركة دخول المواد وخروجها من المستودعات في المشافي والكميات المهدورة والضائعة من الأدوية والمستلزمات الطبية التي تكلف ملايين الدولارات، في الوقت الذي تذهب فيه إلى جيوب بعض المستفيدين الذين يستثمرون هذه المواد في عمليات بيع خاصة، وتحت عنوان هدر أو استهلاك كيفي تتسلّل الأدوية وغيرها من مواد التعقيم والتطهير والشاش إلى السوق السوداء!!.
ولاشك أن اختفاء هذا المفصل يوسع التساؤل، ليطال نزاهة لجان المشتريات وواقع عملها سواء في المشافي أو في مؤسسات الدولة عامة، فهذه اللجان في التقييم العام تتمتع بأكثريتها بسمعة سيئة وتتناولها العديد من التهم بالربح السريع والاستفادة مادياً، والاتجار غير المشروع بالمصلحة العامة من خلال شراء مواد وتجهيزات مختلفة أغلبها بمواصفات فنية متدنية وبأسعار تصل إلى عشرات أضعاف السعر الحقيقي لأية مادة مطلوب شراؤها، وبشكل يؤدي إلى إلحاق خسائر كبيرة بالمؤسسات نتيجة لخروقات وتجاوزات واضحة تحصل أمام المعنيين.
ولاشك أن التدقيق في كشوفات الشراء التي يتمّ تقديمها من قبل لجان الشراء، يكشف وجود أسعار خيالية وغير معقولة لمواد تمّ شراؤها من قبل مؤسسات أو هيئات ووزارات، وهذا ما أدى إلى تفشي كافة أنواع الفساد، ويمكن رصد حالات كثيرة من الفساد المالي والإداري الخاصة بعمليات لجان المشتريات، ولكن للأسف تحدث دون أن تلفت الانتباه أو بالأحرى تتمّ التغطية عليها. وما يؤرّق أكثر تلك الشراكات المشبوهة التي تتمّ بين أعضاء لجان المشتريات والإدارات التي تريد تمرير العديد من الصفقات من تحت الطاولات دون أية شبهات تطالها، ويساعدها في ذلك وجود أنظمة مطاطية تسمح بالتلاعب والعمل بحرية وبصلاحيات تسهّل الخلل والمخالفات، خاصة وأن اختيار اللجنة غالباً ما يكون مبنياً على مصالح متبادلة وتبعية وظيفية بحيث تستبعد الشخصيات الكفوءة والنزيهة من عضوية اللجنة لصالح ضعاف النفوس.
ولا شك أن ما ترتكبه لجان المشتريات والوسائل التي تستخدمها من نهب وسرقة وهدر في المال العام ليس بالأمر المخفيّ، بل معروف من قبل عامة الناس، ورغم أن أفعالها المشبوهة تصنّف في خانة أسوأ حالات هدر المال العام، إلا أنه لا توجد أية رقابة حقيقيّة على عملها، فالقواعد والتعليمات المعمول بها حالياً في تشكيل لجان المشتريات وتنظيم العمل بها غير معنية بسدّ مداخل ومخارج الفساد الإداري والمالي المتفشي في أوساطها الوظيفية التي تفلت من قبضة الرقابة والمحاسبة كونها محمية بشراكات مع الإدارات والتجار معاً.
وما يسهّل مهام هذه اللجان في اقتناص المزيد من الأرباح لصالحها عدم وجود من يراجع عملها بعد كل حالة شراء وفق قواعد قانونية محكمة تنظم عملها وتحدّ من عمليات الفساد فيها.. فهل يعمل أصحاب القرار على إغلاق هذه الثغرة الشرهة للمال العام، أم تبقى مفتوحة على مبدأ “حكلي لحكلك)؟!.
بشير فرزان