مع استمرار المخاصمة تعويضات عمال فندق سميراميس في عهدة الأحكام القضائية.. والأطراف المعنية لا تمتلك المستند القانوني للصرف
يبدو أن قضية عمال فندق سميرا ميس التي بدأت منذ عام 2012، ووصلت إلى أروقة القضاء، لم تهتد بعد إلى ضفة النهاية، ومازالت المخاصمة مستمرة حول التعويضات العمالية بين الأطراف المعنية التي يشكك بعضها بصحة الأحكام الصادرة، ويؤكد تمسكه بعدم وجود المستند القانوني الذي يشرعن أية عملية صرف للتعويضات المقدرة بـ 24 مليون ليرة سورية.
ورغم أن المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي المالكة للفندق، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، أكدتا أكثر من مرة أنهما لا تقفان في مواجهة العمال، أو تحاولان تعطيل الحكم، بل تبحثان عن مستند قانوني يجيز لهما صرف التعويضات التي لا يمكن التصرف بشأنها إلا وفق الأنظمة والقوانين.
بحثاً عن المستند
عرض هذه القضية بكل موضوعية يتطلب الإحاطة بجميع الآراء والمواقف، لذلك كان من الضروري التوجه إلى المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، ولقاء حسنين علي المدير العام للمؤسسة الذي لم يكن لديه، كإدارة مؤسسة، أي اعتراض على منح العمال تعويضاتهم، ولكن بشرط توفر المستند القانوني، وهذا ما أكد عليه مراراً وتكراراً خلال حديثنا معه، وبيّن أنه ليست هناك أية رابطة عقدية بين العمال والمؤسسة، والعلاقة محصورة بين العمال، والمستثمر، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، والتأمينات الاجتماعية، ووضع العلاقة بمجملها في خانة القانون 17 الناظم لعلاقات العمل في القطاع الخاص.
وفيما يخص الأحكام أكد علي أنها لا تستند إلى القانون، فالمؤسسة لا تخالف القوانين، وهي بمنأى عن علاقة الخلف والسلف، لافتاً وهذا ما أكد عليه المستشار القانوني في رئاسة الوزراء إلى أن المؤسسة ستقوم بالطعن أمام محكمة النقض لتوضيح وجهة نظرها بالأحكام الصادرة، وذلك نفعاً للقانون.
ثقة مطلقة
لا شك في أن الكلام الذي سمعناه في مكتب مدير عام الخط الحديدي الحجازي يثير الكثير من التساؤلات حول القاعدة القانونية التي صدرت على أساسها الأحكام، وخاصة لجهة الحكم لصالح العمال، فالمؤسسة كما هو وارد في أسباب الاستئناف مالكة للفندق، ولا تنصرف إليها العقود التي أجراها المستثمر السابق مع العمال، وبالتالي ليست هناك رابطة قانونية مع العمال، وليست خلفاً للمستثمر، وهي جهة عامة ينطبق عليها القانون رقم 50 لعام 2004، ولا ينطبق عليها القانون 17 لعام 2010، وجاء أيضاً في أسباب الاستئناف المقدم من المؤسسة أنه لا يمكن للمؤسسة أن تصرف نفقة دون أن يكون لذلك بند من بنود الموازنة، كما أن المحكمة ألزمت المؤسسة بحقوق عمالية غير مترتبة عليها، وتجاهلت أبسط القواعد القانونية منها (لا أجر بلا عمل)، وفي رأي المؤسسة أن تقرير الخبرة جاء مخالفاً للأصول والقانون، وجديراً بالإهمال، وجاءت الخبرة ناقصة، وتجاوز الخبير مهمته، وأن المحكمة توسعت بتفسير حكم المحكمة الإدارية العليا، وأولته تأويلاً خاطئاً.
القصة من بدايتها
في نقابة عمال السياحة في اتحاد عمال دمشق عبّر جمال المؤذن رئيس النقابة عن ثقته المطلقة بالقضاء الذي لجأت النقابة إليه بتاريخ 14 /5/2014 للحصول على حقوق عمال فندق سميرا ميس، وقد طالب المؤذن في دعواه ضد ورثة المستثمر، ومدير عام المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي (المالكة للفندق)، ومدير عام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، لضمان حقوق العمال من أجور وتعويضات عمالية، بإلزام الجهة المدعى عليها الأولى والثانية بالتكافل والتضامن بتسديد أجور العمال اعتباراً من تاريخ 1/9/2013، وإلزامهم ببدل التكافل والتضامن بدل الساعات الإضافية، وبدل الإجازات السنوية، والعطل الأسبوعية، والرسمية، وبدل الأعياد، ومنحهم حصة المستخدمين من الأرباح وفق أحكام المرسوم 822، والزيادة على التعويض العائلي، وتعويض التدفئة منذ بداية العمل في الفندق، وإلزامهم بمنح العمال المدعين الزيادات الدورية المقررة بواقع 99% كل سنتين استناداً لأحكام النظام الداخلي بالمنشأة، وقانون العمل، وكذلك منحهم الزيادات على الرواتب والأجور الممنوحة من السيد رئيس الجمهورية من تاريخ بدء العمل، وإلزام الجهة الأولى والثانية بالاشتراك عن المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على أساس آخر أجر يتقاضونه، وإلزام الجهة المدعى عليها الثالثة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بتسجيل الزيادات على الأجور، إضافة للزيادات الدورية، وزيادات السيد رئيس الجمهورية، والتعويض العائلي للعمال المدعين في سجلاتها أصولاً، وإلزام الجهة المدعى عليها الأولى والثانية بالمصاريف والأتعاب.
حكم العدالة
وبيّن المؤذن أن محكمة البداية المدنية العمالية بدمشق أقرت تعويضات عمالية قيمتها أربعة وعشرون مليوناً وثلاثمئة وخمسة وثمانون ألفاً وثلاثمئة وخمس ليرات سورية، وقررت بالإجماع إلزام الجهة المدعى عليها الأولى ورثة المستثمر، والجهة الثانية المدير العام للمؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي إضافة لوظيفته بالتكافل والتضامن بأن تدفع لأفراد الجهة المدعية البالغ عددهم 75 عاملاً وعاملة الأجور المستحقة لهم خلال الفترة من 1/9/2013 ولغاية 12/10/2014، وإلزام الجهة المدعية الثالثة مؤسسة التأمينات الاجتماعية بتسجيل أفراد الجهة المدعية في قيودها اعتباراً من تاريخ 1/9/2013 ولغاية 12/10/2014، وإلزام الجهة المدعى عليها الأولى والثانية بالتكافل والتضامن بتسديد كافة الاشتراكات، والفروقات، والغرامات، والفوائد، والتعويضات، والمبالغ الإضافية، وغيرها الناتجة عن تنفيذ الفقرة الحكمية الثانية من هذا القرار، وإلزام أفراد الجهة المدعية بتسديد حصتهم الناتجة عن هذا التسجيل، وبواقع 7% من الأجر الشهري حسب الأصول.
حسم الملف
وأكد المؤذن أن النقابة عملت حسب الأنظمة والقوانين التي حصنت حقوق العمال، ومنعت الجهات المدعى عليها من التهرب من مسؤولياتها، أو إلغاء الحقائق المثبتة، والوقائع الدامغة التي يصعب على أي قانون تجاهلها كوجود /75/ عاملاً وعاملة دائمين ويعملون في فندق سميرا ميس لما يقارب عشرين عاماً، وبأجور متدنية، وطبيعة عمل قاسية وطويلة قدموا خلالها كل نشاطهم وجهودهم في خدمة المنشأة، والسياحة، وأصيب عدد كبير منهم بالأمراض، وهم من ذوي الدخل المحدود، ويقطنون أساساً في مناطق نائية، وأصابهم ما أصاب أبناء الوطن من استهداف، وتهجير، وانقطاع مصادر الرزق.
وتابع المؤذن سرد التفاصيل مؤكداً أن الجهات المدعى عليها لم تقبل بمضمون الحكم، ولجأت إلى الاستئناف في المحكمة المدنية السابعة بدمشق، إلا أن ذلك لم يغير من مسار القضية، فقد أخذت بطلب استئناف الورثة، وردت المحكمة طلب الاستئناف المقدم من المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وأصدرت حكمها بإلزام الخط الحديدي بدفع الأجور المستحقة للعاملين البالغ عددهم 75 عاملاً وعاملة من تاريخ 1/1/2013 ولغاية 12/10/2014، وإلزامها أيضاً بتسديد كافة الاشتراكات، والفروقات، والغرامات، والفوائد، والتعويضات، ومصادرة بدل التأمين الاستئنافي لمؤسسة التأمينات، ومؤسسة الخط الحديدي الحجازي.
التضامن مع الخلف
وبيّن المؤذن أن المادة 12 من قانون العمل رقم 17 نصت على أنه لا يترتب شيء على إدماج المنشأة في غيرها، أو انتقالها بالإرث، أو التوصية، أو الهبة، أو الإيجار، أو البيع، ولو كان بالمزاد العلني، أو غير ذلك من التصرف بإنهاء عقود استخدام عمال المنشأة، ويكون أصحاب العمل السابقون مسؤولين بالتضامن مع الخلف عن تنفيذ الالتزامات الناشئة عن هذا العقد من تاريخ التنازل، وبما أن مؤسسة الخط الحديدي قد استلمت المنشأة بتاريخ 1/9/2012 من المستثمر السابق، ولم تكن عقود العمل منتهية، ولم تقم المؤسسة باتخاذ إجراءات بإغلاق المنشأة وفقاً لقانون العمل، وبالتالي فإن عقود العمل تظل سارية، وتقع كافة الالتزامات المترتبة على صاحب العمل بموجب هذه العقود على عاتق المؤسسة.
دليل كتابي
المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هي أيضاً من الجهات المستأنفة استناداً إلى مجموعة أسباب منها أن قيود سجلات المؤسسة هي اسناد رسمية، ولا يجوز إثبات ما يخالفها إلا بدليل كتابي، ولم تتثبت المحكمة من العلاقة العمالية بين المدعين ومؤسسة الخط الحديدي الحجازي، ومن الثابت من قيود المؤسسة، كما جاء في استئناف مؤسسة التأمينات، أن المستثمر غير مشترك من العاملين المدعين لدى المؤسسة قبل تاريخ 1/9/2013، ولا يجوز أن تقدر المحكمة الأجور خلافاً لأحكام المادة 79 تأمينات، كما لم تلزم صاحب العمل بسداد كافة الاشتراكات المستحقة مع الفوائد، والغرامات، والمبالغ الإضافية.
وطبعاً تتفق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مع رأي المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي، فهي مع العمال، ولا تقف ضدهم، ولكنها تلتزم بالأنظمة والقوانين، وهذا الكلام سمعناه في الإدارة العامة، وفي فرع المؤسسة بدمشق.
الربح والخسارة
لا يمكن وضع قضية العمال في فندق سميرا ميس، والأحكام التي تمخضت عنها لصالح التعويضات العمالية في خانة الربح والخسارة لأي طرف، بل هو تجسيد لسلطة القانون الذي يشكّل المظلة الأساسية للحقوق، ويمثّل حالة إيجابية في حال تكاملت النصوص والتشريعات بشكل يغلق الباب أمام التأويلات، ويوفر قاعدة قانونية صحيحة للأحكام الصادرة.
ونحن على ثقة تامة بأن الجهات التي ألزمت بتنفيذ قرارات المحكمة لا تقف في وجه تحقيق العدالة وإنصاف العمال، وإنما تعمل من منطلق حرصها على مصلحة مؤسساتها، والمصلحة العامة، وتحاول أن يكون بين أيدي إداراتها المسوغ القانوني الذي يشرعن ويقونن أية عملية صرف، وبالمحصلة من الضروري أن تتكاتف الجهود لإنهاء معاناة 75 عائلة لم تسلم من تداعيات الأزمة، وباتت حياتها المعيشية تحت خط الفقر، وتعيش على أمل الحصول على التعويضات، فهل هذا ممكن، أم ستكون هناك جولات وجلسات جديدة ولسنوات طويلة؟!.
بشير فرزان