جبران الفنان والإنسان في معرض وندوة
على أنغام موسيقا رائعة جبران خليل جبران” اعطني الناي وغن” عرض الفنان والناقد أديب مخزوم فيلماً لمتتالية سينمائية لمقتطفات من العناق الروحي بين الأجساد العارية في عوالم لوحات جبران، ولأشكاله الطائرة والمحمولة على أذرع الملائكة، إلا أن المفاجأة التي أطلقها مخزوم كانت بعرض لقطة سينمائية لفيلم متحرك صامت يظهر فيه جبران وهو ينفث دخان سيجارته فيتصاعد نحو الأعلى وهو يتحدث، هذه اللقطة المثيرة كانت مثار جدل في الندوة التي أُقيمت في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بعنوان “جبران الفنان والمخلص بمبادرة وإشراف الفنان مخزوم والتي ترافقت مع افتتاح معرض كبير ضم عدداً من المحترفين والهواة، جسدوا بريشتهم عوالم جبران بأبعادها.
استهلت الندوة مديرة المركز السيدة رباب بالحديث عن أسلوب جبران الذي ينصهر به الجسد مع الروح، وإلى كتاباته التي تقرأ في مختلف مراحل العمر ليكتشف فيها القارئ في كل مرة مداخل جديدة، وقرأت رسالة الإعلامية ريما نجم التي كان من المقرر أن تشارك بالندوة إلا أنها اعتذرت لأسباب طارئة، وأشادت فيها باهتمام مخزوم بجبران وتجسيد عالمه بلوحاته” أتأمل بأبعادك اللونية والبحثية، فكم أنت مرهف وصديق الكبار”.
قيم المحبة
وبدأ الشاعر نزار بريك هنيدي الذي ألّف كتابه”هكذا تكلم جبران” بالحديث عن كتب جبران التي مازالت الأكثر مبيعاً لاسيما كتاب النبي، متطرقاً إلى النوازع الرومانسية والصوفية والأبعاد الروحية التي اتسمت بها كتابات جبران ليصل إلى أنه كان المؤسس الحقيقي لحركة الحداثة الأدبية والفنية وفجّر النهضة على صعيد الفكر الفلسفي، ليتابع عن إيمانه بوحدة الوجود التي أخذها عن محيي الدين بن عربي وعن تأثره بالمتصوفين العرب وانحيازه نحو ابن الفارض، وعن موجودات الطبيعة والتسامي، ليصل إلى فكرة التقمص التي آمن بها جبران بانتقال الروح من جسد إلى آخر.
وتوقف عند تحليل كتاب آلهة الأرض وهو حوارية بين الإله الأول الذي يشعر بالملل والثاني الذي يجد القدرة على منح الحياة لأجيال جديدة، ليصغي فيه الإله الثالث إلى صوت المحبة التي تفوح من قلوب العاشقين، فينحاز إلى المحبة إلى تلك الترانيم الروحية فيدعوهما إلى تمثل قيم المحبة.
الحداثة التشكيلية
حملت مشاركة الفنان أديب مخزوم الكثير من المفاجآت والآراء النقدية الخاصة برؤيته التحليلية للوحات جبران، فانطلق من الأشكال الطائرة والأجنحة والأجساد العارية في عالم يتوق نحو التسامي، واعتمد على كتاب الإعلامية ريما نجم”أجراس الثورة أجراس الحرية” الذي ألّفته عن جبران وتضمن بصفحاته لوحاته، ليتحدث عن أهمية جبران كونه من أهم فناني الحداثة، وركز على خاصية رسمه بكل التقنيات موضحاً النواحي الجمالية للضوء والظل والأبعاد الجسدية في لوحاته وتمكنه من رسم تفاصيل الجسد الأنثوي، ليتوقف عند ما أثاره النقاد من تأثر جبران الكبير بالفنان وليم بليك، إلا أن مخزوم يرى بأن جبران تأثر بإطار العاصفة فقط عاصفة الأجساد لأن خطوط جبران كانت أكثر ليونة وأكثر حيوية وأن النسب عنده بتشكيل الهيكل كانت أكثر دقة من هياكل بليك الذي يميل إلى تقزيم النسب، وفي المنحى ذاته عقب مخزوم على ما تداوله بعضهم من تقليد جبران لنيتشه لينفي ذلك بأن جبران ينبذ العنف ويناقض نيتشه الذي يمجد القتل.
ملاكي الحارس
كما تحدث مخزوم عن حياة جبران الخاصة وعن العلاقة التي ربطته بماري هاسكل التي وصفها جبران بملاكي الحارس، ليشير إلى المغالطة بأن علاقة الحب كانت مع مي زيادة التي لم يلتق معها وأن رسائلهما تعبّر عن صداقة أدبية، بدلالة وصيته بإهداء لوحاته إلى ماري هاسكل وأخته مريانا، وربما أراد جبران ردّ الجميل إلى ماري التي تبرعت بلوحاته إلى متاحف أمريكا وإلى متحف ببشري.
فيزياء الموسيقا
وتحدث المهندس فايز فوق العادة عن الكونيات عند جبران ضمن مدلولات الفيزياء الحديثة بتحليل المادة إلى طاقة إيجابية، مستنداً إلى نصوص عدة “ولا أدري كم مرة سار القمر حولي لكنني لم أدرك بعد أسرار النجوم ولم أعرف خفايا الظلام” وإلى تأثر جبران بجورج ذا ميترا ليوضح بأن الموضوعات الجبرانية مجموعة في تعدادها إلا أنها عميقة بمضامينها، ليتوقف عند موضع الموسيقا ضمن كونيات جبران متمثلاً قول جبران”من يبعد الموسيقا عن قلبه تقصيه الحياة” موضحاً أن أقرب الناس إلى الحياة هم الموسيقيون، فبرأيه هي أهم من الأبجدية فكل موسيقي يكتب على خلفية أبجدية خاصة.
الرقص على القمة
وقدم الأديب محمد منذر زريق مداخلة تحدث فيها عن تأثر جبران الفنان بالمدارس الغربية ومروره بخمس مراحل فنية، ليتوقف عند أهم لوحاته مثل المولودة عارية، إلى لوحة التطهر الروحي ولوحة الرقص على القمة.
ترافقت الندوة مع افتتاح معرض جبران” الفنان المخلص والرسام” بمشاركة كبار التشكيليين إلى جانب الهواة، ليصل عددهم إلى خمسة وخمسين مشاركاً، جسدوا بأساليبهم الواقعية والتعبيرية والانطباعية رؤاهم وأفكارهم التي استلهموها من كتابات جبران، مثل لوحة الفنان علي الكفري التي استلهما من قصيدة “أعطني الناي وغني” بتصويره أنثى تحلق بثوبها الأحمر مع نغمات الناي، لتتقاطع مع لوحة للفنان أسامة دياب يظهر فيها تفاصيل الجسد الأنثوي مع حركة العزف على الناي، كما شغل البورتريه لجبران من زوايا مختلفة حيزاً كبيراً من المعرض.
وقد شارك الفنان أديب مخزوم المشرف على المعرض بلوحتين، استخدم اللون الأصفر كخلفية للوحة الأولى التي جسد فيها جبران وهو يرسم ماري هاسكل كموديل، في حين أومأت الورود الملونة المتموضعة في جانب اللوحة على علاقة الحب الدائمة بينهما، في حين تعمق أكثر في اللوحة الثانية فرسم على خلفية بيضاء جبران مع ماري هاسكل وحضور امرأة أخرى إشارة إلى وجود مي زيادة في حياته وربما غيرها، لتذيل بعبارة جبران كتبها مخزوم باللون الأسود” ماري هاسكل ملاكي الحارس”. العبارة التي تعد اعترافاً بأهمية وجودها في حياته، وكما ذكر مخزوم فإنه رسم بأسلوب تعبيري على خلفية تجريدية وفق مساره الفني، وركز على أن هذا المعرض هو الأول من نوعه فلم يسبق أن خُصص جبران بمعرض خاص وبمشاركة واسعة، وأوضح بأن البورتريهات بعضها حديثة وأخرى رُسمت بطريقة تقليدية. وسينتقل المعرض إلى طرطوس. ومن المشاركين بالمعرض أنور الرحبي ومحمد هدلا وبديع جحجاح ولينا رزق وصريحة شاهين، وغيرهم.
ملده شويكاني