لا حدود للوحة أحمد أبو زينة.. ولكن؟
كتب الفنان غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية في الصفحة الأولى للدليل تعريفا رشيقا ومحددا في التالي:
“اللون هذا العنصر الصعب، الخط، الغرافيك، التكوين، وخصوصية العمل الفني كل هذه المفردات كيف لها أن تتعايش مع بعضها لتصبح عملا فنيا حاملا لمشروع تشكيلي بحثي بأحاسيسه وعمارته وجماليته المتحركة من عمل إلى آخر.
هل هذا الفنان مقيد بأفكار تشكيلية وألوان ومفردات ثابتة عليها أن تتحرك وتتنوع بتنوع تكويناتها وعمارتها لتعطي بشكل أكثر عمقا لمدلولها الفني المعاش بتعدد اللوحات؟
هل التقانة التطبيقية ألغت رعشة الريشة بتنوع الموضوع والتكوين؟ وبتغييره وتنوعه هل يفقده شخصيته الفنية وأسلوب لوحته المعروف؟ أم أن المعاناة والهم اللذين يسكنان الفنان أبعد وأقوى من ذلك يتطلب قفزة أخرى؟
هل أصبح الفن التشكيلي فنا تطبيقيا بسلاسة تريح الفنان للإنتاج الغزير؟
كل هذه الأسئلة تطرحها أعمال الفنان أحمد أبو زينة وهو ما يعطي لأعماله خصوصيتها الفنية، تحلق حرة في فضاء شاعري.
فيما يعتبر الناقد العراقي فاروق يوسف أن لوحات ورسومات الفنان أبو زينة ليست مدائح للطبيعة، وإن ما يلتقطه من إشارات طبيعية تضعنا في جوهر فكرته عن الرسم– الجمال لا يزال ممكنا– فهو يفعل ما يراه مناسبا لعصره، شيء من التوثيق يقع عن طريق اللصق، غير أن هذه التقنية العابرة لا تخرج عن نطاق بعدها الرمزي، فالإيقاع المتوتر لكل لوحة يصنع سلما للوصول إلى الجوهر الخفي وهو جوهر جمالي خالص.
إنه رسام متعوي سعى من خلال فنه إلى أن يخلص لبيئته التي استعار الكثير من مفردات جمالها الذي يتألم. ودرس هذا الفنان يجيب على سؤال من نوع “ما الذي يفعله الفنان في الأوقات العصيبة”؟!
فيما يرى الناقد المصري عبد الرزاق عكاشة أن أعمال أبو زينة تقع بين منطقتين هما نطاق المحيط الجمالي للبصيرة اليقظة الفاعلة والمحيط الدرامي المعاش المرتكز على آليات التعاطي البصري ليوميات المبدع، كما يأخذنا بهدوء في رحلة المتعة عبر التجريد الحسي فيضعنا مباشرة أمام مشاعره، “نحن أمام فنان من أصحاب الوزن الثقيل قيمة وقامة بعمقه الفني وصوره الحسية وبصوفيته التي تسعى لخلق ذلك التوازن وبوجدانية العطشي للسلم الاجتماعي وبحالة التأمل لفنان مبحر يغوص في بحور اللون..”.
فيما كتب الفنان والناقد الأردني محمد العامري في دليل المعرض: تأسرنا اللوحة بضوئها الوهاج وتأخذنا إلى مناخات حلمية حميمة، كما لو أنه يستعيد تلك الأمكنة التي فقدها بصورة مبهجة، أمكنة الطفولة التي تمكث في الذاكرة، تلك الذاكرة التي تلح على الفنان في الاحتكاك معها كمحفز حيوي لاستدراجه في العمل الفني كموضوع فني وعاطفي، وفي غالب الأمر نجده فنانا يبني عمله عبر الأسس العاطفية المشحونة بالتعبير القوي، كأنه يرسم لكل واحد منا، حيث يتحرك عمله الفني في تجفيف العناصر الواقعية من واقعيتها والذهاب بها إلى تاريخ جديد يحمل رائحتها ولا يلغيها، فهو يستعيض عن القرية بشجرة موشاة بالكلمات “الكولاج” ليبني منها مدينته الخاصة بلغة فنية عالية تنم عن خبرة عالية في البناء والتلوين، فالشجرة الكتابة تتحرك كعلامة تشير إلى أمكنة ما وفي الغالب يحيلك هذا الشعور إلى مكان قروي رافض للمدينة، أعتقد أن القرية هي إحدى المفردات البعيدة التي لم تزل صورتها واضحة وقوية في ذاكرة الفنان كمادة للرسم لاستعادتها في حالات مختلفة، لم يترك تلك المفردات على سجيتها بل حاورها بمقدرة الفنان على الخلق الجديد للأشكال الاعتيادية لتتمظهر في حالات متنوعة مشفوعة بحركة دؤوبة في مواقع مختلفة من اللوحة، وفي موقع آخر نراه يحتفي بالخط الذي أصبح الموسيقى الحيوية التي تسهم في تماسك العمل حيث تقوم بالربط بين العناصر، خطوط لينة وعنيفة أقرب إلى الخطوط الطرية الموسيقية وتتحول تلك الخطوط من اختزال الأشكال وصولا إلى الكتابة بكل أنواعها والتي تنتظم لخلق ملامس واقعية ووهمية، تلك الملامس التي جاءت عبر مجموعة من المواد المختلفة من معاجين وكولاج وتحزيز لتسهم في إغناء السطح التصويري وطبيعة بناء العمل الفني.. يبقى أبو زينة علامة مهمة في الفن العربي عبر شغفه في اختيار كل ما تقع عليه عينه ليحولها إلى منظومة بصرية ناجزة”.
لا يحتاج معرض الفنان أحمد أبو زينة لكل هذه الآراء النقدية المسطرة في دليل معرضه الذي افتتح هذا الأسبوع في صالة المركز الوطني للفنون البصرية في عرض أنيق ولائق بتجربته، فمن الممكن أن يكتفي الزائر بقراءة أول صفحات الدليل بقلم رئيس مجلس إدارة المركز بكلمته الموجزة والمتخصصة بكثافة العارف بالتجربة والتي تغني عن الحشد الآخر المقصود من آراء النقاد العرب في الصفحات اللاحقة والتي تابعت اللوحة عبر شاشة الفيسبوك لتجعل من الأمر حضورا مدججا وتبريريا لتأكيد أننا أمام تجربة من العيار الثقيل..! مما جعل من الأمر أمامنا عبئا لا أكثر على اللوحة، فواقع المشهد التشكيلي السوري الغني بفنانيه ونقاده ومتذوقيه ومتابعيه لهم من الدراية التي تنقذهم من سطوة الأدب والآراء الداعمة والمروجة لأي تجربة، فنحن أمام تجربة حية وطازجة ومعاشة منذ سنوات كما هي جزء من الواقع الفني والثقافي ولا تزال أحد علاماته الجميلة ولا تحتاج لرأي من خارج الحدود قد يصيب وقد يصب خارج القدر ويضحى من “عدة الشغل” غير الضرورية!؟ ففي دمشق من أكثر أهمية ودراية من أولئك، لكن مزمار الحي لا يطرب.. والموضة تقتضي توفر مثل هذا الرأي لأنه من خارج الحدود!
عرضت في المعرض ما يقارب الستين لوحة من القياسات المختلفة ومنها ما هو كبير نسبيا ومتقارب في المعالجة، والتقنية تقسمها بعض القطوع الهندسية كحلول تحقق النبالة في التكوين حيث لا حدود للعمل الفني، إذ يمكن أن يمتد إلى خارج حدود اللوحة باعتبار أن المنطق قائم على التوافق بين المساحات الملونة التي يخدش سطحها الخط الغرافيكي الحساس برشاقة مع مرافق آخر نافر من الكولاج تحقيقا لغاية قصدية قوامها التأليف البسيط الأنيق المتفق مع المساحة الملونة والذي يقارب الديكوراتيف بالنهاية.
أكسم طلاع