بعد نجاح حفل تخريج طلاب المعهد العالي للموسيقا موسيقيون جدد يرفدون حياتنا الموسيقية
لم يكن الحفل الموسيقي الذي شارك فيه طلاب المعهد العالي للموسيقا وقُدِّم مؤخراً في دار الأسد للثقافة والفنون والذي تم من خلاله تخريج دفعة جديدة من الطلاب المتميزين بشهادة الأساتذة ومن حضره، إلا نتاجاً مثمراً لسنوات عديدة أمضاها الطلاب في المعهد فكان الحفل بمثابة إعلان عن انضمام عدد من الموسيقيين الشباب للساحة الموسيقية السورية بعد أن تمت تهيئتهم بشكل أكاديمي سليم، وبيَّن عميد المعهد المشرف العام على الحفل الأستاذ أندريه معلولي أن هذا الحفل يندرج ضمن خطة المعهد السنوية لتقديم نتاج طلاب تخرجوا مؤخراً من المعهد على خشبة المسرح بعد عمل دام خمس سنوات في مؤسسة تعليمية قدمت لهم كل ما يساعدهم ليكونوا موسيقيين محترفين يرفدون حياتنا الموسيقية بطاقات ودماء جديدة .
الانطلاقة الأولى
ويوضح معلولي أنه كان من الضروري أن يقدم هؤلاء الطلاب مشاريع تخرجهم على المسرح وأمام الجمهور بعد أن كان المعهد يقيم حفلات لهم ضمن حرم المعهد وأمام جمهور كان عبارة عن أهلهم وأقاربهم وأصدقائهم، لتكون الانطلاقة الأولى لهم عبر هذا الحفل بغية إطلاقهم للمجتمع والحياة بعد أن استطاعوا تجاوز مدة الدراسة ليشقّوا طريقهم نحو الحياة العملية، مؤكداً أن المعهد كمؤسسة تعليمية سعيد برؤية نتاج هؤلاء الطلاب من خلال حفل يتم فيه تقييم ما قدمه المعهد لهم والوقوف على الثغرات والأخطاء التي يجب التعلّم منها بهدف تطوير العمل مع الدفعات اللاحقة التي سيقوم المعهد بتخريجها للارتقاء بالعمل الموسيقي في سورية، منوهاً إلى أن الطلاب قدموا في هذا الحفل مختارات من مشاريع تخرجهم لتعذّر تقديمها كلها في حفل واحد.. من هنا كان على الطلاب في هذا الحفل اختيار قطعة أو قطعتين من مشاريعهم وتقديمها أمام الجمهور، مبيناً أن بعض الطلاب سيُكلَّفون مباشرة بعد حفل تخرجهم بأن يكونوا مساعدي مدرسين ليكتسبوا خبرة إضافية في مجال التدريس، في حين سيلتحق البعض الآخر بتمارين الأوركسترا السيمفونية والفرق الأخرى ليكون المعهد العالي للموسيقا الجهة الأولى التي ترفد المجتمع والفرق السورية بالكوادر الموسيقية، منوهاً إلى أن الفرق ليست هي من يصنع العازفين بل المؤسسة التعليمية هي من تصنعهم ليرفدوا المجتمع الفني السوري، مشيراً إلى أن دفعة هذا العام كانت ممتازة بشهادة أساتذة المعهد، ولأول مرة تقوم لجنة الفحص المؤلفة من 15 أستاذاً موسيقياً بإعطائهم أعلى العلامات، وهذا يعود للخطة الدراسية التي تم وضعها، مبيناً معلولي أن المعهد يقوم اليوم بإعداد خطة مشروع الماجستير ليرى النور بعد توفير كافة الشروط المطلوبة لتحقيق ذلك.
ليس حفلاً عادياً
ويرى الفنان فادي عطية الأستاذ في المعهد أن ما قدمه الطلاب ليس حفلاً عادياً بل هو حفل تخريج لموسيقيين سيُغنون حياتنا الموسيقية، وقد تحول الطلاب من خلاله إلى موسيقيين محترفين.. من هنا تابع عطية طلابه على المسرح ولم يتدخل بهم وهو راضٍ كل الرضا عما قدموه في الحفل الذي تم فيه إعلان الطالب فناناً بعد أن أمضى سنيه الدراسية بالبحث والتعلم.
أصبحوا زملاء
ويبيّن الأستاذ حسام بريمو أن الحفل لم يكن مجرد حفل لتخريج مجموعة من الطلاب بل هو حفل تم فيه الإعلان عن مجموعة من الفنانين الموسيقيين الذين تركوا مقاعد الدراسة وأصبحوا زملاء لأساتذتهم بعد أن أُعدّوا إعداداً جيداً في المعهد العالي للموسيقا، منوهاً إلى أن إقامة حفل لهم بهذا الشكل ما هو إلا دفع معنوي لهم بعد أن قدموا نتاجاتهم على المسرح وأمام الجمهور، وقد هيأهم المعهد بشكل جيد من خلال الدراسة وإقامته للعديد من الحفلات، مع تأكيده على أن حفل تخرّجهم مختلف بالنسبة لهم.. مذكِّراً -وهو الذي تخرج منذ سنوات طويلة- بما قاله الراحل صلحي الوادي حين تخرجهم: “أنتم دفعة جيدة وصار بإمكانكم تعلّم الموسيقا” وهذا يعني أن المتخرج يجب أن يستمر في التعلم والبحث والتدريب، مشيراً إلى أهمية هذا الحفل الذي يكشف ثغرات كل طالب على حدة، مبيناً أنه لا بدّ من استثمار هذه الطاقات بالشكل الأفضل، والمطلوب الآن وجود مؤسسات إنتاجية تتبنى هذه المواهب حرصاً على بقائها واستمرارها، مع إشارته كمعاون لمدير دار الأسد للثقافة والفنون إلى أن الدار وضمن إمكانياتها لن تتوانى عن مساعدتهم بإقامة الحفلات لمن يرغب منهم، مؤكداً أنه وقبل تفعيل قانون حسم الضرائب من المؤسسات الإنتاجية بتبنيها لأي فعل ثقافي لن نشهد نهضة قوية، وهو الأمر المعمول به في أنحاء مختلفة من العالم، مبيناً أن عدد الحفلات التي تقام في سورية لا يضاهيها عدد آخر.. من هنا يجب أن يحصل الفنان على أجره المناسب في مهنة من أصعب المهن التي تحتاج لعدد كبير من التدريبات .
الوصول للعالمية
وأشار الطالب حكم الخالد الذي تألق في الحفل بعزفه على آلة القانون، إلى أن هذا الحفل يختلف عن كل الحفلات التي شارك فيها، وكان هذا الحفل إحداها وعلى مسرح مثل مسرح الدراما حيث كان الشعور لا يوصف، مبيناً أن الحفل هو نتاج خمس سنوات من الدراسة، فكان له طابع خاص بالنسبة له، مشيراً إلى اهتمام الأساتذة الكبير بإقامته على مسرح الدراما، الأمر الذي يشير إلى ثقتهم الكبيرة بالطلاب وقدراتهم ورغبتهم في إظهارها على المسرح وأمام الجمهور.. من هنا أوضح الخالد أنه قدم مقطوعات تبين تكنيك الآلة بعيداً عن القطع الكلاسيكية التي تفرض على العازف طريقة العزف، فكان خياره تقديم مقطوعة سماعي للمؤلف رشاد ايزو ورقصة كان فيها نوع من الحركة والسرعة للمؤلف جوكسل باكتاغير، وهاتان المقطوعتان جزء من امتحان التخرج الذي سبق وأن قدمه أمام اللجنة الفاحصة والذي كان يضم إلى جانبهما مقطوعات موسيقية بمرافقة البيانو مثل الكونشيرتو للمؤلف حجي خان محمد وتشاردش وهي موسيقا شعبية مجرية، منوهاً الخالد إلى أن ما قدمه في الحفل لا يمكن مقارنته بأي حفل آخر شارك فيه، حيث الفرق كبير بين أن يعزف مع فرقة أوركسترا وأن يعزف صولو قطع موسيقية على مستوى عالٍ من التكنيك، معترفاً الخالد أن هذه الحفلة من أصعب الحفلات التي شارك فيها، وقد كان فخوراً بنفسه لأنه كان عند حسن ظن الأساتذة به.
وبالعودة لأيام الدراسة أوضح الخالد أن الطالب حين يكون موجوداً في جامعة أو معهد يتطلب ذلك الالتزام بكل قوانينهما وأنظمتهما، ومنها عدم المشاركة مع الفرق الموسيقية إلا بموافقة الإدارة، وبالتالي بعد التخرج يتحرر الموسيقي من هذه القوانين وقد أصبح بإمكانه العمل بالطريقة التي يريدها، إضافة إلى الشعور الجميل الذي ينتاب كلَّ متخرج حين يبدأ أساتذته يتعاملون معه كزميل، ويأسف الخالد لأن بعض الخريجين يعتقدون أن مرحلة التعلم والتدريب مع تخرجهم قد انتهت ليرى نفسه تدريجياً يتراجع مستوى التكنيك لديه، وهذا الاعتقاد مشكلة كبيرة لأن التخرج بالنسبة لأي موسيقي ما هو إلا بداية لطريق طويل وصعب، والوصول فيه يتطلب جهداً كبيراً في التمرين، كما يحزنه اضطرار عدد من العازفين المهمين للهجرة، وقد خسرت البلد خامات موسيقية كثيرة كان لها وزنها على الصعيد المحلي، وأصبح كل خريج يفكر بالسفر لأسباب خارجة عن إرادته، وهكذا تخسر البلد عازفين شباب وطاقات كبيرة كان من الممكن الاستفادة منها إما بالتدريس في المعاهد الموسيقية التابعة لوزارة الثقافة أو في المعهد العالي للموسيقا .
ونوه الخالد إلى أنه وفي كل حواراته كان يردد أن حلمه الوصول للعالمية، واليوم وبعد تخرجه سيعدّ نفسه لتحقيق ذلك، والبداية بأخذ دروس قانون عند أهم عازفي القانون وإكمال تعليمه، مؤكداً أن طريق النجاح صعب، إلا أن الإنسان الطموح يحقق النجاح من خلال الإرادة التي يتمتع بها، ولأنه موسيقي طموح سيحقق النجاح الذي يطمح إليه.
أمينة عباس