هي الصخرة الأقوى..
ليس غريباً على أهلنا في السويداء أن يقابلوا الاستهداف الدامي الذي تعرضوا له برباطة الجأش التي شاهدناها، وليس غريباً أيضاً على من تصدّوا لأعتى الحملات، إبّان الاحتلالين العثماني والفرنسي، بالسيف والعصا، وحققوا الانتصار تلو الانتصار في معارك المزرعة والمسيفرة والكفر وطردوا المحتل، أن يكونوا اليوم كما كانوا في سالف الزمان، ولا يمكن بأي حال أن يحيدوا قيد أنملة عن بوصلتهم الوطنية وتمسّكهم بهويّتهم العروبية الأصيلة.. هم بنو معروف الذين يشهد لهم العالم بغيرتهم على وطنهم وإبائهم وإكرامهم للضيف وإغاثتهم للملهوف، واستحق أهلها لقب أبناء جبل العرب الأشم.
لم يقبل أهالي السويداء بإقامة مخيم للمهجرين من مختلف المحافظات جراء الإرهاب وإنما استضافوهم في بيوتهم وتعاملوا معهم كأهل الدار، وبالتالي أفشلوا المخطط الكبير المرسوم في دق الأسافين في النسيج الديموغرافي والعيش المشترك للسوريين، وضربوا أروع الأمثلة في الوحدة الوطنية التي تتعزز بمواجهة العاصفة ووقفوا صفاً واحداً خلف الجيش العربي السوري والقيادة السياسية، فكانوا مثالاً يحتذى في تماسكهم الاجتماعي، ولم يسمحوا لشذاذ الآفاق بتعكير صفو الأمن والأمان والاستقرار الذي تعيشه المحافظة، وكان شعارهم: إن الوطن يعلو ولا يعلى عليه ولا مساومة على الأرض ولا بيع للذمم مهما بلغت المغريات.
تحت جنح الظلام تسلل أصحاب الفكر الظلامي الأسود أدوات أمريكا و”إسرائيل” لمعاقبة الأهالي على صمودهم وتمسكهم بهويتهم الوطنية ورفضهم المخططات الخارجية.. باغتوا الأهالي وهم نيام وارتكبوا بحقهم مجازر يندى لها جبين الإنسانية وذلك في إطار محاولاتهم اليائسة لترهيب الأهالي وغرس الذعر في نفوسهم، لكنهم تجاهلوا أن من قاوم جيوشاً جرّارة وألحق الهزائم بها لا يمكن أن ترتعد فرائصه أو يستكين أمام حثالة من القتلة المأجورين.
بالنتيجة، وكما حصل خلال هجمات إرهابية سابقة على امتداد الجغرافية السورية لقنّ الأهالي عصابات القتل والإجرام درساً في المواجهة البطولية حيث كان التصدي البطولي للشباب ومسارعة الجيش في توجيه ضربات دقيقة لتجمعات المرتزقة أبلغ الأثر في التخفيف من حجم الخسائر وجاءت النتائج على عكس ما يشتهي المشغلون في تل أبيب والخليج، فاستبسال الأهالي شيوخاً وشباباً، نساءً وأطفالاً، في الدفاع عن الأرض والعرض فوّت الفرصة على المخططين في تحقيق نصر معنوي تتعلق بأهدابه التنظيمات التكفيرية المنهارة، ما يعني أن من أوعز لقطعان داعش بتنفيذ المجازر قد أخطأ العنوان عندما باغت من تربوا على مبادئ التضحية والفداء لينعم الآخرون بالحياة، وما أقدم عليه الشاب يامن أبو عاصي، الذي بذل روحه فداء لأهله، هو واحد من آلاف يحملون ذات القيم النبيلة القائمة على التربية الوطنية الأصيلة والشجاعة والإقدام، وهي مثال لثقافة البذل والعطاء التي يتمتع بها كل السوريين في مواجهة النوائب والمحن.
السويداء شيعت بالأمس كوكبة جديدة من شهداء الدفاع عن الحق على مذبح الوطن وهي امتداد لسلسلة طويلة من التضحيات قدمها شعبنا خلال ثماني سنوات من عمر الحرب الشرسة حيث لم يبخل يوماً في تقديم الغالي والنفيس دفاعاً عن وحدته الوطنية ومبادئه وانتمائه ليبقى الوطن عزيزاً كريماً، ولتبقى سورية كما قال عنها السيد الرئيس: “صخرة وطنية عصية على الاختراق، والسويداء هي الصخرة الأقوى” وستحقق النصر مهما بلغ حجم التضحيات ومهما اشتد حقد قوى البغي والعدوان.
عمــــاد ســــالم