أسبوع لتاريخ السينما الروسية” في الأوبرا
في خطوة جديدة لنشر الثقافة السينمائية أقامت وزارة الثقافة –مديرية العلاقات الثقافية- التظاهرة السينمائية” أسبوع لتاريخ السينما الروسية” على مدى أسبوع في دار الأوبرا لتختتم بفيلم”التضحية”، وتهدف هذه التظاهرة إلى التعريف بالمراحل التي خاضتها السينما الروسية التي شغلت حيزاً في الخارطة السينمائية العالمية، إذ بدأت منذ عام 1908 وتميّزت في بداياتها بالأفلام التاريخية إلى أن حدثت الثورة عام 1917 وتغيّر مفهوم السينما الروسية فجسدت فواجع الحرب والفقر والمرض، ومع التطور السينمائي أخذت تتبلور هويتها بالتركيز على الصورة البصرية وارتباطها بالطبيعة القاسية وبملامح الحياة، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي اقتربت من المعاصرة السينمائية.
وقد حفلت التظاهرة بأشهر الأفلام الروسية مثل”أحرقتهم الشمس والمرأة وأنا كوبا وطفولة إيفان وغيرها، ومن الأفلام التي عُرضت أيضاً فيلم”المقتفي” للمخرج والكاتب الشهير أندري تاركوفسكي الذي عمل جيولوجياً أيضاً، وهذا يفسر تركيزه على اختيار مواقع تمتاز بصعوبة جغرافية في بعض المواضع كما بدا في الفيلم، الذي عدّ أسطورة السينما الروسية كما صنفه النقاد، أنتج عام 1979 ومقتبس عن رواية الخيال العلمي”نزهة على جانب الطريق” للأخوين أركادي وبوريس ستروفانسكي، والفيلم يشد المتلقي إلى أبعاده الروحية التي ضمّنها المخرج في إطار الصورة البصرية للمكان الذي يشكّل المنطقة الخطرة للعبور برمزية إلى الحد الفاصل بين الموت والحياة.
يتميز الفيلم باللقطات الطويلة والحوارات الأدبية والفلسفية بين الأبطال الثلاثة الذين يرغبون بالعبور عبْر المنطقة الخطرة التي أُطلق عليها”الفرامة” لموت كل من حاول المرور بها وصولاً إلى المنطقة الآمنة التي يقطنها المعلم الذي لُقب “بالنيص” الذي مات أخوه الموهوب فيها، ومن خلال ما تفسره الأحداث فالنيص أشبه برجل دين. يغلب على الفيلم الطابع الوجودي بتفسير فلسفة الحياة، ليتفق الثلاثة بينهم البروفيسور- نيقولا جيرنكو- على أن هذه المنطقة لايصل إليها إلا من مات قلبه ووصل إلى حافة اليأس والانهيار وانعدمت لديه كل الآمال وذبلت الأحلام، ليمرر المخرج خلال الفيلم رسائل حول الأشخاص الأشرار الذين يسيئون إلى الآخرين ويوقعون بهم الأذى، في إشارة إلى الصراع الدائر بالحياة، كما نلمح خطوط اليأس عند المرأة ولو بدت بومضات خاطفة إلا أنها كانت تمثل إشارات بارقة وظّفها المخرج ليتابع سرده السينمائي حول الحياة وتأثير الزمن على الأشخاص، بدا هذا واضحاً في المشاهد الأخيرة في المحاورة بين الرجل الثالث الذي كان له الحضور الأكبر في رحلة العبور الممثل- أليكسندركادانوفسكي – وزوجته بقولها”لا أندم على شيء ولا أريد شيئاً”.
اعتمد المخرج على الحركة الزمنية في سرد مجريات الفيلم بالانتقال بين العوالم الافتراضية والفلاش باك، وإن شغلت المساحات الطبيعية من خلال اللقطات الطويلة حيزاً من الفيلم، فتناوبت المشاهد بين الأبيض والأسود والملون، ليثير المخرج المشاهد بأجواء مشحونة بالتوتر كصوت عجلات القطار التي لم تتوقف في أغلب مشاهد الفيلم، لتأخذ دور البطل المساعد لاسيما بعد ظهور القطار في المشاهد الأولى، فصوت العجلات استُخدم كمؤثر دلالي للإيقاع الزمني الدائر، إضافة إلى صوت انهمار المطر في مواضع، السقوط بالمياه التي تشبه المستنقع الصغير، وجود الهاتف القديم والرد بالنفي لمن يطلب سيارة إسعاف، وصولاً إلى القنبلة التي تم تفكيكها من قبل أحد صانعيها”صنعتها مع زملائي” إشارة إلى الحرب بفنية غير مباشرة، كلها مشاهد أقحمها المخرج ضمن الأحداث ليذهل المتلقي بالتفسيرات والربط بين الأحداث، ليصل إلى المشهد الأخير بالعودة إلى محطة القطار إلى حضور الفتاة اليائسة الحزينة، إلى كأس الشاي نصف الممتلئ، إلى اللقطة المؤثرة أكثر حينما اقتربت الكاميرا من الوعاء الزجاجي الصغير وفي داخله غلاف البيضة المنقسمة إلى قسمين إشارة إلى الاستمرارية.
ملده شويكاني