تسمية الخدمية “بالزراعية” حملت التباساً وفتحت بوابة التقصير المطلوب إنجاز وتأهيل الطرق الريفية للتغلب على وعورة الأراضي
طرطوس- لؤي تفاحة
فرضت الطبيعة الجغرافية لمحافظة طرطوس واقعاً صعباً للغاية بالنسبة لمجمل الأراضي الزراعية بحيازاتها الصغيرة نسبياً، وأيضا تحدياً أثقل كاهل أصحابها مما دفعهم لهجرها وإهمالها نتيجة صعوبة الوصول إليها. ورغم ما تمّ إنجازه خلال السنوات الماضية من شق مئات الكيلومترات، لغاية تخديم هذه الطرق وتسهيل عملية تخديم الأراضي الزراعية وتالياً دعم وتأمين ما تحتاجه المواسم الزراعية وسهولة نقلها، وأيضاً الخدمات الأخرى، إلا أن واقع الحال يشي بكثير من التقصير وعدم إنجاز ما تمّ شقه منذ سنوات، لتأتي الأزمة الحالية لتعطي نتيجة صفرية، بسبب بلاغات الحكومة وتعليماتها بضرورة التوقف عن رصد أي مبالغ مالية لهذه الغاية، مما راكم من معاناة المزارعين وغيرهم وصولاً لهذا الواقع المزري، وكأن المطلوب بشكل غير مباشر هجرة الأراضي التي ربما لا يملكون أي مورد رزق إضافي غيرها.
ولعلّ تسمية الطرق الخدمية “بالزراعية” حملت الكثير من الالتباس من جهة، ومن جهة أخرى بوابة للتقصير لدى أصحاب القرار التنفيذي بوضع هذه الشبكة الخدمية والحاجة الشديدة لها على “رف” الاهتمامات.
من هنا كانت الحاجة لإعادة النظر بتسميتها، ولاسيما أنه لا علاقة للزراعة كجهة رسمية بها، وإنما تعود لمديريات الخدمات الفنية والبلديات وهذا من شأنه أن يعطيها مزيداً من الدعم المالي وإن كان من خلال بوابات مالية متتالية، في حين كان الوضع السابق مبرراً لهذا التقصير بحسب رأي البعض! وقد اشتكى الكثير من الأهالي “لمكتب الصحيفة” واقع الطرق الخدمية، رغم أن الكثير منها قد تمّ شقه منذ سنوات وتم تداوله وطرحه في الكثير من اللقاءات والمؤتمرات الحزبية والفلاحية دون الوصول إلى أي نتيجة لأسباب وذرائع مختلفة.
من جانبه أشار المهندس علي رستم مدير الخدمات الفنية إلى أنه بعد عام 2004 أصبحت عائدية الطرق الزراعية لمديرية الخدمات، فبدأنا بوضع الخطط السنوية وتنفيذها لشق الطرق وتعبيدها وإكسائها بالتنسيق مع الفعاليات الحزبية والاجتماعية في المناطق، ولكن بعد بدء الأزمة عام 2011 وبناء على بلاغات رئاسة الحكومة ذات الصلة فقد تمّ إيقاف كامل الخطط المتعلقة بالطرق الزراعية لجهة شقها أو تعبيدها وتزفيتها نظراً لعدم توفر الاعتمادات المالية اللازمة، واقتصرت الخطط في هذا المجال على تعبيد وإكساء مجموعة من الطرق الزراعية في قطاع منطقة الدريكيش خلال عام 2017 والتي كانت مدرجة قبل الأزمة.
ورداً على سؤالنا حول شرط عرض الطريق وخصوصية الأراضي والحيازة الصغيرة لمعظم المواطنين، فقد بيّن رستم أن شرط تحقيق العرض بـ/6/م يهدف إلى تنفيذ طبقات رصف الطريق بالسماكات اللازمة، في حين إذا ما قلّت المسافة لحدود /3/م فإنه سيؤدي إلى إنقاص عرض سطح الطريق عن قاعدته بنحو /1/م، وبالتالي سيصبح عرض الطريق نحو /2/م، وهذا غير مقبول فنياً كونه قد لا يسمح بمرور سيارتين معاً، وبالتالي لا تتحقق الغاية البعيدة المدى من شقه وتخديمه للمواطنين، كما أن بعض الطرق قد تحتاج لتنفيذ خندق تصريف مطري على جوانبها حفاظاً على أعمال الطريق. وأشار مدير الخدمات الفنية إلى موضوع تسمية الطرق الزراعية وجعلها خدمية، فهناك مخططات تنظيمية تحدّد عليها هذه الطرق في قطاع البلديات التي تقع ضمن حدودها ولا يمكن تعديل تصنيف هذه الطرق من قبلنا، مع التأكيد على أن أغلب الطرق الزراعية يمكن اعتبارها خدمية كونها تصل الكثير من القرى ببعضها البعض. ولفت رستم إلى أن مديرية الخدمات في طرطوس مستعدة لاستئناف العمل بالطرق الزراعية من خلال خطط يتمّ وضعها بالتنسيق مع الجهات الأخرى، حال توفر الاعتمادات المالية لذلك.
بكل الأحوال فإن واقع الطرق الزراعية في محافظة طرطوس في أسوأ حالاته، وتوجد قرى بأكملها تحتاج لمزيد من الطرق التخديمية تكفل أن يعود المزارع لأرضه، وكذلك إمكانية التوسع العمراني بعدما بات شراء منزل في المدينة وضواحيها حلماً ليس بمتناول الفقراء على كثرتهم، وهذا لا تتحمله جهة عامة “الخدمات” فقط، وإنما يحتاج ثقافة مجتمعية وأهلية تضع في صلب اهتماماتها أن وجود الأرض بشجرها وتربتها لا يعطي صفة الاستقرار والاستمرار لوجودها، وإنما الحاجة لتخديمها طرقياً وغيرها هو الذي يحقق هذه الصفة ويجعل الفلاح ملتصقاً بأرضه، ولكن الصورة الحالية تعطي الانطباع المخالف لما يتمناه!!.