“جمهورية كأن”.. التوثيق لا يخفي الآراء والميول
تبدأ الرواية بدهشة التسمية، والدهشة أول دوافع قراءتها تدخل عوالمها بغية الوصول إلى أجوبة للعديد من التساؤلات، والإمساك بخيوط لحل لغز العنوان “جمهورية كأن” للمصري علاء الأسواني.
الرواية وعبر قصص شخصياتها تناقش الأحداث التي اندلعت في مصر أواخر العام 2011 في الخامس والعشرين من كانون الثاني، وتقدم تشريحاً لها منذ اندلعت شرارتها الأولى وصولاً إلى ذروتها والمآل الذي وصلت إليه البلاد تبعاً لها. كل ذلك عبر مجموعة من القصص والشخصيات التي جعلت من الرواية لوحة مركبة من قطع صغيرة متصلة ومنفصلة، يمكن أن ترمي بعضها وتحتفظ باللوحة إلا أنها ستكون بالتأكيد اللوحة الناقصة، ولأنها تناقش أحداثاً بعينها فلا بد لها من أن تعتبر رواية توثيقية لها.
مجموعة من الحكايات تم التعريف بشخصياتها في الجزء الأول من الرواية بداية من اللواء أحمد علواني الرجل المتدين وصولاً إلى طالب الطب خالد الذي سيكون ضحية طلقة نارية أثناء تصاعد الأحداث في ميدان التحرير، ووالده الرجل العجوز الذي سيرفض المساومة على حق ابنه في محاكمة عادلة ينال خلالها القاتل عقابه.
لوحة مركبة
هكذا يفرد الكاتب “مكونات” روايته ثم يعيد ترتيبها ثم يجمعها من جديد تاركاً للقارئ مهمة ملاحقة مصير كل شخصية من الشخصيات التي عبرت كل منها عن فئة معينة أو توجه شعبي أو حزب سياسي، وعن نظرة كل منها إلى كل ما مرت به البلاد في تلك المرحلة.
سنتابع حياة علواني في المنزل وفي المكتب، وسنكتشف كيف يمكن للبعض أن يتخذ من الدين ستاراً لارتكاب أكبر الشرور، وكيف يمكن لفتاة مدللة ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب أن تختار خوض غمار تجربة لن تنال رضى عائلتها، إذ سيقودها وعيها وحبها لخالد إلى اكتشاف الزيف الذي يغلف حياتها وحياة من تعيش معهم، أما الأب فسوف يقوده إحساسه وتقارير المكلفين بحراسة دانية إلى أنها:”لم تعد الابنة المطيعة والمبهورة به والتي توافقه على كل ما يقوله” ولذا سيبدأ الصدام ما بين الفتاة وما بين العائلة بما فيها الأب والأم الحاجة تهاني التي فتحت منزلها للشيخ شامل يلقي دروسه الأسبوعية إكمالاً للصورة المطلوبة، وشقيقيها الذين ارتضيا ما ارتضاه الأب لكل منهما على عكس “سمو الأميرة دانية” كما كان يحلو للأب أن يناديها.
أشرف وإكرام
يفضح الأسواني زيف المجتمع الذي يعيش فيه من خلال قصة”أشرف ويصا” الثري والممثل المغمور والكاتب الذي سيوقع كتابه باسم مستعار ليس خوفاً ولكن:”كل ما في الأمر أننا نعيش في مجتمع متخلف كذاب يعشق الأوهام، ولست مستعداً لدفع ثمن غباء الآخرين، عشت خمسين عاماً أمضيت معظمها في التأمل العميق حتى توصلت إلى عدّة حقائق سأعلنها وأوثقها سيبدأها بسؤال يقض مضجعه، ما جوهر العلاقة التي تربط الرجل بالمرأة في مصر؟! سؤال يولد أسئلة أكبر عن المحيط والمجتمع والدين وجوهر العلاقات المختلطة التي سيخوض غمارها ويواجه حروبها، يجهد أشرف لتقبل حياته المضطربة مع زوجته ماجدة بعد سفر ولديه، وإذ لم يعد من ضمن اهتماماتها الرئيسية لانشغالها بتسيير أمور مكتب المحاسبة الذي تديره ويدر عليها من المال ما يضمن حفاظها على الشكل الاجتماعي اللائق بها، سيلتفت إلى نوع آخر من الحب، حب صادق نما بينه وبين إكرام التي تقوم على إدارة أمور المنزل من تنظيف وطبخ، علاقة باتت من الجدية ما دفعه للوقوف في وجه كل الضغوطات التي واجهته من العائلة والأبناء والمجتمع ورجل الكنيسة الذي يحب ويحترم.
أسماء ومازن
سينقلنا صاحب رواية “عمارة يعقوبيان” إلى حكاية أخرى إلى علاقة صداقة افتراضية تتحول عبر الرسائل الطويلة والمتكررة إلى علاقة حب كبير ما بين أسماء ومازن، رسائل تبادلا خلالها همومهما، هي وقد لمحته في اجتماع للحركة التي تنتمي إليها:”شابة مثقفة متحررة تناضل من أجل التغيير في حركة كفاية، قضيّتها ليست عقد عمل في الخليج، ولا الزواج من عريس غني، تحارب الفساد وتطالب بالعدالة والحرية” هكذا قرأها عبر الرسائل، وعلم منها كيف دخلت مجال التعليم لكنها رفضت إعطاء دروس خصوصية لطلاب صفها الأمر المتبع بين طاقم التدريس، حُولت إثرها إلى التحقيق بتهمة ارتداء الملابس الفاضحة أمام الطلاب لمجرد اختلافها عن البقية بعدم التزامها غطاء الرأس، وتتعرف عليه هو “مازن” الابن الوحيد الذي ترك منزل العائلة ليعيش بعيداً عنها ويبعدها عن مشاكله:”طبعاً أزور أهلي كل أسبوع، وأطمئن عليهم بالتلفون يومياً، لكن انفصالي عنهم وفر عليهم متاعب كثيرة يسببها نشاطي السياسي” النشاط الذي كان يمارسه كعضو في اللجنة النقابية مدافعاً عن حقوق العمال ضد الإدارة الإيطالية التي تسرق حقوقهم في المعمل الذي يديره “عصام الشعلان” صديق والده المتوفي هكذا يلمس لمس اليد كيف دخلت الاضطرابات الخارجية إلى عمق العلاقات الضيقة إلى داخل البيوت وكشفت تخلخل العلاقات الأسرية، وسلطت الضوء في الوقت ذاته على الكثير من المفاصل الهامة فكشفت الأقنعة عن وجوه الكثيرين ممن يمسكون بها.
نورهان “نور الهدى”
ولعصام الشعلان بالطبع حكايته مع الزواج”الزواج الحلال” وقصته مع نورهان مذيعة التلفزيون التي ستتزوجه في النهاية من بين زيجاتها التي درست كل منها بعناية شديدة “الشعلان” الذي باع ضميره والمبادئ التي آمن بها يوماً في سبيل الحفاظ على مستواه الاجتماعي والوظيفي ونور الهدى “نورهان” وقد بدلت اسمها كي يتماشى مع طبيعة عملها كمذيعة، وتحيط بحياتها العديد من القصص والأقاويل: “يقولون أنها تحضر دروس الشيخ شامل من باب التظاهر بالتدين وأنها تبكي في أثناء الدرس ليس خشوعاً وإنما لتلفت الأنظار” ستتقن نورهان كل خطوة من خطواتها حتى تنال مرادها وتصل إلى إدارة الفضائية التي تعمل فيها و”محمد الشنواني” صاحب القناة الفضائية والمقرب من السلطات العليا.
مجموعة من القصص والحكايا تصل إلى نهاياتها التي تتماشى والمآل الذي وصلت إليه الأحداث والاضطرابات التي اجتاحت مصر بسرعة جنونية. وبرغم محاولات صاحب الرواية إظهارها كعمل توثيقي إذ ضمّنها عدداً من الشهادات الحقيقية لبعض المعتقلين والمشاركين في الأحداث، إلا أنها لم تستطع إخفاء مهاجمته لجماعة الإخوان سواء من خلال الشخصيات التي اتخذت الدين لبوساً مزيفاً لها أو من خلال السخرية الكامنة في الكثير من الحوارات التي دارت في الرواية بلغة فجة وشعبية وسوقية في الكثير من مواضعها ما جعلها عرضة للكثير من الانتقادات ودعوات المقاطعة.
بشرى الحكيم