معركة الجنوب.. وهستريا المتآمرين والمعتدين
ترجمة وإعداد: هيفاء علي
تكتسب درعا أهميتها الاستراتيجية عسكرياً بحكم موقعها الاستراتيجي بجنوب سورية، كما تحتل أهمية استراتيجية باعتبارها مفتاحاً لسلسلة مناطق تمتد على طول الجغرافيا السورية، إذ تشكّل محافظة درعا نقطة وصل بين مناطق وسط وجنوب شرق سورية، امتداداً على طول شريط المناطق الحدودية الأردنية شمالاً، وصولاً إلى المناطق المرتبطة بالجانب الحدودي مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، إضافة إلى كونها تشكّل نقطة ربط بين المناطق الجغرافية السورية المرتبطة بوسط سورية “العاصمة دمشق”، وهذا ما يعكس حجم الأهمية الاستراتيجية الكبرى لمحافظة درعا بخريطة المعارك بالجنوب والجنوب الشرقي حتى شرق ووسط سورية بشكل عام.
أطلق الجيش السوري عملياته العسكرية انطلاقاً من الريف الشرقي لدرعا في 22 حزيران، وتمكن من السيطرة على العديد من المزارع والقرى بعد القضاء على جموع الإرهابيين، وفي الوقت نفسه انطلقت عمليات المصالحة التي بادرت بها الدولة السورية لحقن الدماء، وسرعان ما قبلت معظم البلدات الدخول في المصالحة، وقيام المسلحين بتسليم أسلحتهم وتسوية أوضاعهم، ومن رفضوا التسوية اختاروا الباصات الخضر للذهاب إلى ادلب، حيث تجمع الإرهاب، الأمر الذي آل إلى انهيارات متسارعة في صفوف المسلحين في كل المناطق التي كانت خاضعة لسطوتهم، حتى أكبر بؤر الإرهابيين انهارت على وقع ضربات الجيش وتقدمه، الحارة، بصر الحرير، اللجاة، بصرى الشام.. إلخ، والأمر الثاني الذي ساهم في اختصار زمن المعركة هو الدعم الشعبي والاستقبال الحافل للجيش العربي السوري من قبل سكان البلدات والقرى الذين طالبوا بدخوله لتخليصهم من نير الإرهاب، حيث شاهدنا على شاشات التلفزة كيف استقبل الأهالي جنود الجيش العربي السوري بالورود والهتافات.
تقع درعا على بعد مئات الكيلومترات إلى الجنوب الغربي من دمشق، وتعتبر رمزية للغرب الذي تآمر على سورية لاعتبارها مهد “انطلاق شرارة المظاهرات”، فقد قدمت الصحافة الغربية الاضطرابات والأحداث على أنها “ثورة سلمية”، وقد ولدت منذ البداية “تعبئة المواجهة”، وتحولت بسرعة إلى القتال المسلح ضد الجيش السوري، وسرعان ما هب المتآمرون لمساعدة “المتظاهرين” بالأسلحة، كانت صحيفة اللوموند الفرنسية في مقدمة البروباغندا، عنونت: “درعا ، شرارة الثورة السورية ماتت…”، تبعت ذلك الهستريا المناهضة لروسيا وللدولة السورية وكل حلفائها، منذ شهر آذار 2011، أعلنت لوموند عن “أن تغيير نظام الحكم في سورية بات قاب قوسين”، وها هو تحرير درعا اليوم يشكّل هزيمة مدوية لليومية الفرنسية ومثيلاتها، إن لم يكن عودة قاسية للدلالة الحقيقية المتمثلة في أن اللوموند عملت على تضليل الرأي العام الفرنسي والغربي، والكذب عليه منذ بداية الأزمة.
في كل الأحوال، من المثير للفضول أن نرى “صحفيي اللوموند” يتراجعون في هذا الوقت ليحاولوا تبرير أكاذيبهم السورية التي فرضوها على القراء لأكثر من سبع سنوات، الجيش السوري بات يسيطر حتى الآن على أكثر من 80٪ من الأراضي السورية، لكن، نهاية اللعبة تحتاج الى بعض الوقت، خاصة مع لعب واشنطن ولندن وباريس وقتاً إضافياً.
البرلمان الألماني على حق
بعد مواقف مضطربة في السابق، قالت لجنة الدفاع في البرلمان الألماني “البوندستاغ”، برئاسة الكسندر نو”: إن الوجود العسكري لقوات من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني في سورية يتوافق مع القانون الدولي”، إذ طلبت الحكومة السورية رسمياً مساعدة موسكو وطهران وحزب الله في محاربة الإرهاب العالمي على أراضيها، بينما يُعتبر تدخل التحالف بقيادة الولايات المتحدة أمراً بالغ التعقيد، ويعتبر تزويد الإرهابيين في سورية بالسلاح أمراً صارخاً، وانتهاكاً للقانون الدولي،
كما أشارت لجنة البوندستاغ إلى أن الجيش السوري يحارب منذ أكثر من سبعة أعوام مجموعات إرهابية مختلفة، كما أنه يحارب الإرهاب نيابة عن العالم أجمع، ونتيجة لذلك، يعتقد العديد من الخبراء البارزين في القانون الدولي أن التدخل الأمريكي لم يعد له ما يبرره فحسب، بل يمكن أن تعتبره المحكمة الجنائية الدولية “جريمة حرب”، على الأرض، تم الآن تدمير تحصينات “داعش”، وأصبح “قانون الدفاع عن النفس” الذي يحتمي به الائتلاف الذي تقوده واشنطن مبتذلاً، على الولايات المتحدة أن تفكر جدياً في وقف حملتها العسكرية في سورية، وأن تحزم حقائبها وترحل فوراً.
ووفقاً لعدة مصادر دبلوماسية، كانت هذه المسألة في صميم القمة التي جمعت بوتين وترامب في 16 تموز في هلسنكي، إذ طلب الرئيس الروسي من نظيره الأمريكي تفكيك القواعد العسكرية العشر التي تحتفظ بها الولايات المتحدة في شمال شرق سورية، بالمقابل، ناقش ترامب هذا الانسحاب مقابل السماح للشركات الأمريكية بالمشاركة في إعادة الإعمار الاقتصادي المرتقب لسورية،على المنوال نفسه، طالب فلاديمير بوتين بانسحاب عدة مئات من القوات البريطانية والفرنسية الخاصة، المنتشرة في الشمال الشرقي.
يحق لدمشق أن تزيد حدة المواجهة مع باريس بعدما كشف تحرير درعا النقاب عن مخزونات ومستودعات الأسلحة التي كانت بيد المسلحين، من بينها أنواع مختلفة من المعدات العسكرية الفرنسية، فقد عثر الجيش السوري على العديد من أنظمة “أبيلاس” المضادة للدبابات المصنعة في فرنسا تم إرسالها من الأردن، حيث شكّلت قوات الكوماندوس الفرنسية وحدات إرهابية مختلفة لعدة سنوات، هناك شيء واحد مؤكد: الفرنسيون لن يضعوا قدمهم في سورية قبل فترة طويلة جدا”، في الدبلوماسية، نجني ما زرعته أيادينا، تهانينا لساركوزي وجوبيه وهولاند وفابيوس وماكرون ولودريان على سياستهم في الشرق الأوسط.
“إسرائيل” تدعم “القاعدة” في الجنوب
من المعروف أن عمّان ضمت غرفة عمليات الموك برعاية الجيش “الإسرائيلي” لدعم الإرهابيين، وعلى رأسهم “جبهة النصرة” بالسلاح والمال، أي دعم تنظيم “القاعدة” في سورية، فقد وثقت وثائق مراقبة جوية تكدس الشاحنات “الإسرائيلية”- على الحدود السورية– والتي كانت تقوم حتى آخر لحظة بتفريغ صناديق الطعام والمعدات العسكرية إلى عدة مواقع لـ “جبهة النصرة”، كما أظهرت وثائق أخرى عملية نقل جرحى المسلحين بسيارات الإسعاف “الإسرائيلية” التي قامت بإرسالهم إلى المستشفيات العسكرية التابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلية في منطقة القنيطرة.
في هذا السياق، يمكن للمرء أن يتخيل أن تحرير درعا والقنيطرة من الجماعات الإرهابية يمكن أن يساعد في إحياء هذه المباحثات لوضع حد للاحتلال “الإسرائيلي” للجولان السوري، ويمكن أن يحث ترامب وبوتين على ممارسة بعض الضغوط على “إسرائيل” للانسحاب من الجولان ووضع حد للقمع الوحشي الذي تمارسه ضد السكان المدنيين فيه.
ختاماً
أما الآن وقد وضعت معركة درعا والجنوب عموماً أوزارها، فقد أسدل الستار على مسرح وبؤرة الإرهاب في مدينة اعتبرها الغرب الداعم للإرهاب “مهد الثورة”، وحظيت بالدعم المادي واللوجستي حتى اللحظة الأخيرة، سوف يشكّل تحرير درعا والقنيطرة هزيمة مدويّة للقوى الغربية والعربية الداعمة لهذه الحرب الشرسة على سورية، ما أصابها بحالة هستريا وهلع كما أصابها من قبل حين حقق الجيش السوري انتصارات سابقة في حمص، حلب، الغوطة، دير الزور، على الجميع أن يدرك أن نتائج معركة درعا والجنوب بأكمله ستكون لها كلمة الفصل وتحدث تغييراً كاملاً في شروط التفاوض المقبلة، معركة الجنوب وجهت رسائل كثيرة إقليمية ودولية، وفرضت واقعاً جديداً في مسار التسويات والتفاوض النهائية بفضل بطولات وتضحيات جنود الجيش العربي السوري ، وبفضل الدعم الشعبي الذي أبداه أهل درعا والقنيطرة، وأهل ريفيهما للجيش.