سنية صالح.. شاعرة في الظل صنعت المجد
“سنية هي حبي الوحيد، نقيض الإرهاب والكراهية، عاشت معي ظروفاً صعبة، لكنها ظلت على الدوام أكبر من مدينة وأكبر من كون، إنها شاعرة كبيرة لم تنل حقها، ربما آذاها اسمي، فقد طغى على حضورها، وهو أمر مؤلم جداً، كما أنها لم تأخذ حقها نقدياً”. بهذه الكلمات تحدث الشاعر الكبير محمد الماغوط عن رفيقة دربه وزوجته سنية صالح، الشاعرة الجريئة التي ظلمها النقاد كما تحدث الماغوط، وخصصت لها ندوة الأربعاء الثقافية “سوريات صنعن المجد” في مكتبة الأسد بعنوان “سنية صالح شاعرة في الظل”.
بستان الأبدية
وفي مداخلته التي جاءت تحت عنوان: “سنية صالح زهرة في بستان الأبدية” قال الأديب بديع صقور: “سنية صالح في الزمان الضيق، في حبر الإعدام، في مجموعتها القصصية الغبار وفي ذكر الورد، هي امرأة تبحث عن الحب، تبحث عن الحياة، تبحث عن وطن آمن بعيداً عن قتلة يمكن أن يقتلوا الحب، وجاء نصي “سنية صالح سهرة في بستان القمر” متماهياً مع نصوصها فهي شاعرة عميقة وربما الذي أبقاها في الظل هو اسم زوجها محمد الماغوط، إلى جانب أنها عندما رحلت كانت في قمة العطاء، وما يحزننا في هذا الوطن العربي الكبير أن آخر اهتماماتنا هي الثقافة والأدب، فالشاعر والأديب وصاحب الكلمة هم وجدان الأمة. وأضاف صقور: متى نصحو ليكون هذا الإنسان هو وجدان هذه الأمة بحق ليدافع عن الحب والإنسان والوطن، عندما يفقد الإنسان الوطن لا يبقى له شيء ومن أجل كل هذا كتبت عن سنية صالح.
النص الشعري
والشعر يولد دون مقدمات، وعند محاولة تفسير النص الشعري فإنك تنزع عنه مباهج وهجه وألقه المشع، ومع ذلك فلا أجمل من أن تدخل عالم شاعرة تضعك في متاهة من الصور والأشكال والرموز، هذا ما أراد د. عبد الله الشاهر الحديث عنه في محور “مميزات النص الشعري عند سنية صالح” حيث بدأ حديثه بالتعريف عن صالح ثم انتقل إلى مميزات شعرها فكان إحداها البحث عن الطفولة وكأنها تريد استعادتها من خلال الشعر، ومن ثاني ميزات نصها كان الخطاب الذاتي بالإضافة إلى محاولة استحضار الأزمنة، فلا تنجو قصيدة عندها من الرغبة في استعادة الحياة إلى جذورها الأولى، فالشاعرة لم تثق بأي شيء في زمنها الحاضر فهربت إلى أزمنة بعيدة، وامتلأت قصائدها بالعناصر الكونية التي تتحد بشقاء الإنسان، وهذه الرؤية تمتلك بعداً إنسانياً يوحد الذات الإنسانية مع الطبيعة والوجود، وما يميز غالبية نتاجها الشعري كان البعد الوطني، هذا الوطن الذي تجتمع فيه الأضداد لتعطي صورة الإنسان، هذا الوطن الذي تحبه بجنون، فهي تجذرت فيه وأثمرت وكان لها انتماءً وامتداداً، كانت هذه السيدة مسكونة بهواجس لا تنتهي، وهذا ما جعل نصها الشعري مفاجئاً للمتلقي لأن فيه من الإدهاش بقدر ما فيه من المغامرة، وفيه من الحب بقدر ما فيه من المأساة، شعرية سنية صالح تعلن عن ذاتها دون مسوغات لامتلاكها القدرة الفنية والحساسية العالية للغة والتمكن من أدواتها البلاغية.
رفيقة الماغوط
ولم يقتصر دور الدكتور إسماعيل مروة على إدارة الحوار فقط، وإنما قدم مداخلة بعنوان “سنية صالح ورفقة الماغوط” فقال: مايميز سنية صالح ارتباط اسمها بالكبير محمد الماغوط فكانت صديقة مبدعة وزوجة وشاعرة متفردة في الموضوعات المضمخة بالألم التي تناولتها، فهي لم ترد أن تمتع القارئ وإنما كانت تريد أن تدفع به للتفكير والتساؤل. في الواقع، هي شاعرة غير تقليدية من حيث اختيارها لشعر القصيدة المنثورة.
وعن سبب اختياره لسنية صالح موضوعاً لهذه الندوة أضاف د.مروة: “كان الاختيار لريادتها في مجال قصيدة النثر، ولعلاقتها بالماغوط فهي لم تأخذ حقها في ميدان الشعر، وأغلب الشهرة تمت في مراحل متأخرة لأنها كانت تعطي حياتها لأسرتها، إضافة إلى السمات الشخصية الخاصة بسنية وطفولتها المعذبة من علاقتها بأمها وتوقفها عن الكلام ومن ثم وفاتها، سنية صالح تستحق أن نقف عندها وتستحق أن تكون موضوعاً لرسائل أكاديمية.
جمان بركات