“أيام الرحيل”.. واحدة من أيقونات الرواية الفلسطينية
قال عنه الراحل د.بديع حقي: “وقف قلمه الغض على قضية العرب الكبرى، منتقداً ومستوحياً ومستلهماً، فترادفت قصصه ومسرحياته ومقالاته تنتح من مَعين المأساة” في حين بيّن رجاء نقاش أن “قصصه تشي بمعاناة كاتبها نفسه وشعبه من ظلم الصهيونية العالمية وعدوانها” وكثيرون يصفون الكاتب د.يوسف جاد الحق بأنه ذاكرة فلسطينية وسفير لقضية فلسطين أينما حلّ، وهو الذي جاء من فلسطين بعد النكبة ليستقر فيها في نهاية المطاف، فعشق الشام وأهلها لأن فلسطين جزء من سورية الطبيعية وبلاد الشام.
ملحمة النضال الفلسطيني
مع صدور روايته الجديدة “أيام الرحيل” احتفى المركز الثقافي في كفرسوسة بها وسليط الضوء على مضامينها من خلال الندوة التي أقامها مؤخراً بحضور الكاتب جاد الحق ومشاركة الإعلامي والناقد عمر جمعة والشاعر أمير سماوي والمستشار رشيد موعد الذي أشار إلى أن الكاتب جاد الحق عُرِف طوال حياته الأدبية والنضالية بأنه أديب متميز، فقصصه ورواياته لها مكانتها وحضورها في مدوّنة السرد العربي عامة والسرد الفلسطيني بشكل خاص، فهو من الأدباء المخلصين لفن السرد عبر تدوين ملحمة النضال الفلسطيني وما حفل به هذا النضال من تضحيات وبطولات ونبل وكبرياء، مواصلاً جاد الحق الكشف عبر روايته “أيام الرحيل” عن المخاطر الكامنة في الأفخاخ داخل المشاريع الغربية والصهيونية لإطالة أمد الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أن “أيام الرحيل” رواية بدأها جاد الحق بالتعريف بقريته الجميلة “يبنا” التي رحل عنها قسراً وقهراً وهو الذي كان ملتصقاً ومنتمياً لقريته ولوطنه ولعروبته فدعته وطنيته لأن يسجل تاريخ النكبة بشفافية وصدق، موضحاً أن جاد الحق ذو عقل نافع وعين ثاقبة لا يعرف الالتواء، وروحه صابرة ترنو للفجر الفلسطيني الذي تتكامل أضواؤه بأجيال جديدة آمنت بثقافة المقاومة هدفاً نبيلاً لاستعادة الأرض المغتصبة.
التراجيديا الفلسطينية
وأوضح الإعلامي عمر جمعة أن جاد الحق سبق وأن أصدر رواية تحت عنوان “قبل الرحيل” في نهاية التسعينيات، وها هو اليوم في “أيام الرحيل” يستكمل ما كان قد بدأه في تلك الرواية بتصوير معاناة الشعب الفلسطيني بعد النكبة، في حين كان حديثه في “قبل الرحيل” عن يبنا وبنيتها الاجتماعية وعاداتها وتقاليدها، ثم ما حل بها من تهجير، وصولاً للعام 1948 الذي يصوّر أحداثَه جاد الحق في رواية يصفها جمعة بأنها رواية تسجيلية واقعية تمثل ذاكرة بصرية عن فلسطين وجملة الأحداث والوقائع التي حدثت عام 1948 مشيراً جمعة إلى أن جاد الحق حاول في هذه الرواية استدعاء الأمكنة (يبنا، لاهية، بيت غز، عمّان، سويداء دمشق) للتأكيد على هوية هذه الأمكنة، واستدعاؤها -برأيه- توصيف لحالة التغريبة الفلسطينية والتشبث بهوية المكان الفلسطيني المستلب، منوهاً جمعة إلى أن كل الروايات الفلسطينية ذهبت لاستحضار الأماكن الفلسطينية دفاعاً عنها ولحفظها من آفة النسيان، موضحاً أن جاد الحق قدم في روايته “أيام الرحيل” وغيرها شخصيات يرافقها دوماً هاجسُ العودة، ويمكنه القول أن القيمة الفكرية والفنية للرواية استمدها الكاتب من لغته السردية التي هي أبرز ما يميز هذه الرواية التي يعتبرها جمعة واحدة من أيقونات الرواية الفلسطينية التي تفضح المشروع الصهيوني في المنطقة.
وتوقف جمعة عند ملمحين في الرواية: حالة التوثيق التي اعتمدها جاد الحق عبر استدعائه للتواريخ والشخصيات والوقائع، وحالة الإدانة للأنظمة العربية التي تخاذلت عن نصرة فلسطين، محمِّلاً هذه الأنظمة مسؤولية ما يجري في فلسطين منذ العام 1948 وحتى اليوم، وقد أراد الكاتب في هذه الرواية توثيق أحداث ووقائع كانت مفصلية في تاريخ التراجيديا الفلسطينية، علماً أن الملمح الذي سيبدو أكثر طغياناً برأيه هو محاكمة الكاتب لوقائع تاريخية تفضح خذلان بعض الأنظمة العربية، بل وخيانتها لفلسطين، فيماشي جاد الحق تلك الفاجعة ويؤرخ لبعض يومياتها بلسان الشاب أمين ابن بلدة يبنا الذي سيغدو في الأغلب الأعم من صفحات رواية “أيام الرحيل” ذاكرتنا التي تعرض للواقع المرّ وهو يفتك بآلاف المهجَّرين من ديارهم وقراهم وقد تسللت إليها قطعان الذئاب الغادرة.
مفروضة بقوة الأدب
وبيَّن الشاعر أمير سماوي أن النكبة حينما حدثت كان كاتبنا قد بلغ العشرين، لذلك احتفظ بمجرياتها وأحداثها لينقلها بلغته الأدبية إلى روايته “أيام الرحيل” راصداً فيها ما حدث خلال تسعة أشهر، والبداية كانت من خلال قريته “يبنا” وأهلها الذين حملوا أمتعتهم تحت الرصاص الغزير والدافق من كل جهة، مؤكداً أن الكاتب جاد الحق أخلص لمدة 90 عاماً لذاكرته الفلسطينية التي ضمت حكايات وقصص فجائع النكبة وقد ترجمها بلغته الأدبية بمجموعة من القصص والروايات التي يلخص بها صيرورة القضية الفلسطينية والتي ساهمت إلى جانب كتابات الكثيرين في بقاء القضية الفلسطينية حية ومفروضة بقوة الأدب.
عائد لفلسطين
وبعد أن استمع لكل المشاركين أكد الكاتب يوسف جاد الحق أنه يحترم كلَّ حالات النقد مهما كانت، فاللاذع والقاسي منها يحفز صاحب العمل على امتلاك القوة لتقديم الأفضل والسعي لتعلم ما هو جديد، أما إذا كان مجاملاً فيشعر الكاتب أن هذه المجاملة جزاء ما قدم وضحى من وقت.. من هنا فهو يحترم جميع الآراء مهما كانت، موضحاً أنه حينما يكتب الكاتب لا يفكر بأن يقوم بعملية وعظ وإرشاد ونصيحة لكي يبعد الناس عن القلق واليأس وإنما يكتب لأنه تعتريه حالات معينة نتيجة الأوضاع التي يعيشها والظروف المحيطة به، فكل هذه الأمور تشكل وضعاً نفسياً يمكّنه من الكتابة فيكتب وينساق وراء قلمه، معتزاً بما كتبه من قصص وروايات عن فلسطين التي تسكنه في وقت لم يدرس فيه فن القصة ومواصفاتها ومع ذلك كتب قصصاً نالت الإعجاب والتقدير، مؤكداً في جميعها على أن الشعب الفلسطيني لا بدّ وأنه عائد لفلسطين.
أمينة عباس