يزرعون الدهشة.. أينما وجدوا!
كم كانت دهشتي عارمة عندما مررت أمام حاجز أقيم منذ أعوام عند مدخل الحي حيث أسكن.. الممر الذي كان مغلقا بسبب الحرب، وأُعيد اليوم فتحه، تكشفت عن خضرة رائعة باتت تغطيه، فمنذ أن وصل إليه شبان الجيش العربي السوري تحول إلى حديقةٍ صغيرة مليئة بالأزهار وبعض خضروات الصيف.. وحتى ذلك القرص البهي، قرص دوار الشمس، لم أره منذ أكثر من عشر سنوات، بات اليوم يغطي المكان ويزيده بهجة بلونه الأصفر. يبدو أن صناعة الفرح والسرور هي من اختصاص هؤلاء الجنود، فحيثما يحلّون يتواجد السلام والأمان، وتظهر القدرة على العطاء بكل تجلياتها. إنَّ الإنسان القادر على زراعة ما حوله رغم كل الضغوط والصعوبات وتحويله إلى مساحة لبث الطاقة الايجابية والفرح إنسانٌ لا يمكن هزيمته.
“علاقتي بالأرض علاقة مميزة لا يمكنني وصفها ولا اختصارها ببضعة كلمات”، بهذه العبارة بدأ سامي حديثه بابتسامةٍ تعكس طيبة معدنه، الشاب البالغ من العمر 22 عاما التحق بالخدمة العسكرية متطوعا في صفوف الجيش العربي السوري، وحارب في أكثر من منطقة ساخنة، حتى وصل هنا، على هذا الحاجز. يقول سامي: “أملك قطعة أرضٍ زراعيةٍ في قريتي كنت قبل التحاقي بالخدمة أزرعها كل موسمٍ، وعلى الرغم من وجودي اليوم بعيدا عنها إلا أنني أوصيتُ أخي الصغير بأن يهتم بها، فالأرض لا تترك لأنك إن أهملتها تركتك. ومنذ وصولي إلى هذا الحاجز قررت أن أزرع كل المساحة المحيطة بنا، خاصة وأنّ الماء متوفرٌ. لدينا المزيد من الوقتٌ، وحتى لا نشعر بالملل نقوم أنا ورفاقي بزراعة ما نستطيع من خضروات ونباتات وأزهار تمنح المكان بهجة، وتنسينا وحشته وقفره. انظري حولك، ألم يختلف عما كان عليه من قبل؟ يجب أن لا تنسينا الحرب أننا بشرٌ، ووجود مساحات خضراء حولنا يسعدنا، إضافة إلى أنني اعتبر ذلك مشروعا صغيرا نقوم به، ولطالما ابتكرنا أفكارا لتوائم الظروف القاسية التي مررنا بها، وهذه إحداها وربما أجملها!
أبو عبدو، زميل سامي على الحاجز نفسه، يمسك سيكارته بيدٍ ويضع إبريق الشاي على النار بيده الأخرى، يقول: “بيتنا في حارةٍ شعبيةٍ في حلب، فيه فسحةٌ كبيرة تحتوي على أشجار الكباد والنارنج، لذلك أنا معتادٌ على الاهتمام بالنباتات والأشجار، وأشعر بالمسؤولية تجاه ما نزرعه هنا من نباتات تماما كالتي كانت موجودة في بيتنا. نحن هنا نأكل مما نزرع في كثيرٍ من الأحيان، ونشعر بسعادةٍ بالغة لما نقوم به لدرجة أن كثيرين من المقيمين هنا أخذ شتلات من النباتات والأزهار لزراعتها في منازلهم. قبل ثلاث سنوات، كنا في منطقةٍ قريبةٍ من تدمر، وكان الوضع صعبا على الجميع.. تعرضنا للحصار أكثر من مرة، وقررنا ألا ننتظر وصول المساعدات، بل زراعة كل شبرٍ في المنطقة المحيطة بنا، ولا أخفيكِ أنّ هذه الخطوة ساعدتنا كثيرا، وربما أنقذتنا أحيانا”.
أينما مررت عند تلك الحواجز، ستلفت نظرك حُكما جماليةُ المكان، وهنا تبرز قدرة الشباب السوري على خلق حياةٍ من العدم، وفي أقسى وأصعب الظروف، فالجيش الذي سطر جنوده أعظم لوحات الانتصار وزرع الأمل والبسمة على وجوه كل السوريين الشرفاء يستمر بالعطاء دونما مقابل حفاظا على أرض الوطن وصونا لها.
لينا عدره