ثقافةصحيفة البعث

د. نهلة عيسى: وسائط التواصل الاجتماعي تمزق النسيج الوطني.. ونحتاج إلى خطة تنتشل إعلامنا من بعض مآزقه

سيدة لها فرادتها.. معجونة من رقة الياسمين وقسوة الماس. منذ اللحظة الأولى للحرب قررت أن تكون مع الوطن وتخوض معركته بكل تفاصيلها، فانطلقت إلى جبهات القتال لتكون رديفاً لقلوب مشرعة على الحلم، وتوءم روح لأبطال يرسمون لنا بابتسامتهم المشرقة من أرواحهم قبل عيونهم أفق الحياة الأبهى، إنها د. نهلة عيسى نائب عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق.
وبمناسبة الذكرى الثالثة والسبعين لتأسيس جيشنا العظيم، الجيش العربي السوري.. حدثتنا عن عوامل القوة التي يتمتع بها الجيش والتي جعلته بهذه الروح المقدامة والشجاعة.. وأكدت لنا أن أهم عوامل قوته هو الفكر العقائدي. أي الانتماء لكل الوطن بكل أطيافه وشرائحه وطوائفه، كما أنه يمثل ثوابت الأمة، ثوابت الوطن السوري، أقسم العهد على الولاء للوطن والحفاظ على وحدته ووحدة أرضه وسلامة مواطنيه، وقد أثبت ذلك على مر التاريخ، ومذ تأسيس الجيش العربي السوري وخاصة في الأربعين سنة الماضية، هذا الجيش لايمكن نسبه إلا لكل السوريين، والحرب الدائرة منذ سبع سنوات حتى الآن تؤكد ذلك.

وأضافت: نحن لدينا شهداء للجيش في كل بيت سوري على امتداد الوطن، وأعتقد هذا من أهم عوامل تماسك هذا الجيش، إضافة إلى أن علاقة أفراد الجيش ضباطاً وجنوداً مع بعضهم بعضاً علاقة شديدة الخصوصية، وهم يمثلون جوهر حقيقة سورية، بالإضافة إلى أن جيشنا على مدار تاريخه كان مرتبطاً بالقضية المصيرية للعرب، قضية فلسطين. وعقيدته القتالية مبنية على حماية الأرض والعرض تجاه عدو دائم التهديد لأراضي سورية، هو العدو الصهيوني، ولذلك هو دائماً يدرك بفطرته قبل أن توجه إليه الأوامر أن أي عدو حتى لو كان يرتدي لبوساً آخر هو في النهاية امتداد لسلالة الصهاينة، وهو أيضاً ذراع من أذرعها.. وبالتالي يفترض أن يقف في وجهه دفاعاً عن الأرض وسلامتها ووحدتها، وسلامة أهله، وكل الشعب السوري. وفي حديثها المليء بالعنفوان قالت أيضاً : لا أعتقد أن جيشنا مدلل لا من حيث مصادر الدخل ، ولا من حيث امتلاكه للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، بل على العكس كل الدراسات العسكرية المتقدمة في السنوات الأخيرة تستغرب هذا الأداء العالي لجيشنا بعتاد تم تنسيقه من الجيوش المتقدمة، لكن جيشنا يملك الإرادة والعقيدة والخبرة القتالية غير المسبوقة، كما أنه خلال هذه الحرب اكتسب مهارات على مستوى التكنيك والقتال، حيث أصبح قادراً على خوض المعارك التقليدية وغير التقليدية، وأعني بها حرب المدن وحرب الشوارع، وهي خبرة لا يمتلكها أي جيش آخر في العالم لأن القتال وفقاً للقواعد النظامية للحرب مختلفة تماماً عن الظروف التي قاتل بها جيشنا على مدار سبع سنوات، وأحرز انتصارات كبرى، ومن يقاتلهم يمتلكون أسلحة شديدة التطور، وبخطط عسكرية أيضاً متطورة، وبدعم مالي وعسكري من دول تعتبر هي الأولى في العالم على مستوى القدرات القتالية، إضافة إلى الجماعات الإرهابية المدربة على قتال المدن، وهؤلاء مرتزقة، وبالتالي تدريبهم أكثره قائم على التفخيخ وعلى قتال الشوارع، ورغم ذلك استطاع جيشنا أن يحرز الانتصارات الباهرة ليس على الجماعات الإرهابية فقط بل على من يمول هذه الجماعات، لأنه على الأقل في العامين الأخيرين بدأ الأصلاء يتدخلون في المعركة على الأرض مباشرة، أمريكا تدخلت ورددنا عليها بقوة، وإسرائيل تدخلت وتتدخل ورددنا عليها بقوة، وهذا أعتقد خير توصيف لما يستطيع فعله جيشنا.

القادة القدوة
وعن نقل الرسالة من القادة إلى الجنود الذين قد لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً، ولديهم هذا الإيمان وهذا اليقين، رسمت صورة جميلة لقادة الجيش الذين يقاتلون في الصفوف الأمامية مع أبنائهم الجنود..وهذه حالة نادرة في تاريخ الجيوش العالمية.. والدليل هو استشهاد ضباط برتب عالية وعلى الخط الأول.. وعندما يكون القائد في مقدمة جنوده وأول الشهداء، لا يمكن لجنوده أن يتراجعوا.. فالعقيدة تنتقل عبر تحول القائد إلى قدوة، وهذا، أفضل وسيلة لنقل الرسالة وتوريثها، إضافة إلى أن عقيدة جيشنا هي عقيدة الشعب السوري بأكمله، وبالتالي هذه الرسالة تورث بالجينات، لأن جيشنا هو نحن، وليس هناك انفصال بين المؤسسة العسكرية والشعب السوري.
ولاستشهاد القائد دلالات كبرى وتأثير معنوي.. ولكن، إلى أي مدى هو محفز للجندي ويعطيه عزيمة أكبر..هنا، استوقفها هذا الأثر.. واستطردت قائلة إنّ استشهاد القائد في مقدمة جنوده هو دافع لهؤلاء الجنود على الأقل بالشكل الإنساني والطبيعي لأخذ الثأر لقائدهم، فكيف إذا كان هذا الموضوع مرتبطاً بإيمان وفهم صحيح لحقيقة ما يحدث على أرض سورية، خاصة وأن هذه الحرب اغتالت أعمار الشباب، ليس فقط بالمعنى المادي الذين استشهدوا، ولكن معظم جيشنا شباب شهداء أحياء، وأجمل سنوات العمر ضاعت على الجبهات، ورغم ذلك جيشنا لم يتراجع، وجنودنا لم يغادروا مواقعهم وما زالوا مستمرين، فهل ذلك يعني أن هؤلاء مشاريع انتحارية، بالتأكيد لا، نحن شعب يحب الحياة ويريد السلام ويرغب بالعيش، لكن نتيجة إيمانهم العميق بعدالة قضيتهم تجعلهم يبقون باستمرار على جبهاتهم، لقناعتهم أنهم إذا فروا من الجبهات فهؤلاء الإرهابيون سيصلون إليهم في بيوتهم ومخادعهم، ولا يمكن لشخص سليم أن يرضى بذلك، وكثيراً ما نردد عندما نشاهد بعض من باعوا الوطن وتاجروا به واستعدوا عليه التاجر والفاجر، هل هؤلاء بشر، وجنودنا بشر أسوياء يحبون الحياة ويعيشونها، لكن إذا كان لابد من الموت فهم مستعدون له دفاعاً عما يؤمنون به.
د. نهلة عيسى..على مدار سبع سنوات الحرب كانت على جبهات سورية كافة وبتماس مباشر مع الجيش..ولم تغب عن الحملات التي أطلقتها لدعم الجيش وتبني ذوي الشهداء والجرحى إضافة لمهام أخرى…فمنذ اللحظة الأولى للحرب وقفت مع نفسها وسألتها إذا كانت تريد خوض هذه الحرب.. فتقول:يجب أن أخوضها بكل تفاصيلها، لأنها معركة وطن، وهذا الوطن له في عنقي دين، فهو الذي منحني لقب دكتورة، وهو من منحني اسمي وشكلي وجيناتي، ومنحني القدرة في الوصول إلى ما أنا عليه، وبالتالي له دين كبير في عنقي وابن الأصل لا يتهرب من دفع الدين، إضافة إلى أنني ابنة المؤسسة العسكرية بحكم أني ابنة ضابط سابق في الجيش العربي السوري، وأيضاً أنا ابنة هذا الوطن بكل أفراحه وأحزانه، فمنذ اللحظة الأولى اعتبرت نفسي على الجبهات كلها، وأعتبر كل واحد منا يقف على الجبهة التي يستطيع أن يقف عليها، لكن الرب حباني فرصة الوقوف على عدة جبهات وليتني أستطيع أن أقوم بأكثر.
لقد مارست دوري على الجبهة الإعلامية لأنني اعتبرت أن دور الإعلام في الحرب علينا كان دوراً كبيراً وخطيراً وهاماً، فقمت بقدر ما أستطيع، وبقدر ما أتيح لي بالوقوف على الجبهة الإعلامية، بمعنى الرد على الفبركات والأضاليل التي روجتها وسائل إعلام العدو، وأيضاً اعتبرت وجودي في مكتبي ومع طلابي جبهة أخرى يجب أن أقف عليها وبقوة، وأعتقد أني لم أتوان لحظة لا أنا ولا زملائي في الكلية، ولا في جامعة دمشق عن تقديم كل ما نستطيع تقديمه لتأكيد استمرارية الحياة والعلم في سورية، عبر حضورنا يومياً إلى الكلية واستمرار العملية التدريسية على مدار اللحظة، لكي نؤكد أن الحياة سوف تستمر في سورية كما هي.

منهم نستمد الأمل
الجبهة الثانية هي جبهة الجيش العربي السوري، والحقيقة في البداية عندما بدأت بذلك بدأت لأني كنت أريد أن أستمد منهم الأمل، فالكثيرون يظنون أني أنقل لجنودنا الأمل، لكن أنا أنقل لهم دفء البيت، مشاعر الأم، شوق الأخت، حنان الأب، أنا أريد أن أقول لهؤلاء الذين على الجبهات نحن معكم ونشعر بكم، وفي كل لحظة ندعو لكم، لكن في الوقت ذاته آتي من الجبهات بالأمل والثقة بالنصر، أنا أمارس دور الوسيط بين الجيش والشعب، أنقل لجيشنا الحب والفخر والدعاء بالسلامة والنصر، ومن ثم أنقل من جيشنا إلى شعبنا الإيمان والثقة بالنصر القريب، وأظن أن هذه أهم رسالة قمت بها في حياتي، فلا لقب دكتوراه ولا المناصب ولاشيء يجعلني أشعر بالفخر كما أشعر به عندما أكون وسط هؤلاء، وأشعر أنهم سعداء بأنني بينهم لدرجة أن القادة يقولون لي عندما أصل إلى هناك يرتفع مستوى الأداء بين جنودنا أضعافاً مضاعفة، لأننا معهم ولأن هناك من يفكر بهم ويشعر بهم وأنهم ليسوا مهملين ولا منسيين، وأن ما يفعلونه محل تقدير كل سوري وكل شريف في هذا الوطن.
الجبهة الأخرى أن جيشنا ليس منقطع الصلة بالحياة، أيضاً لديه أهل قدموا إضافة للشهداء الكثير من الجرحى، ولذلك عملت على جبهة إيصال الأمان والإحساس بالامتنان الشديد لأهالي الشهداء والجرحى، فكان لي دور لابأس به في إيصال كثير من المساعدات لجرحانا وذوي شهدائنا، هي مساعدات مهما كانت كبيرة لاتصل لمستوى ما يحتاجونه، لكنها عربون امتنان وشكر لهؤلاء أننا نحن أيضاً نقدر عالياً ماقدمتم من التضحيات ونحملها أمانة في أعناقنا.
دور آخر قمت به وكان أيضاً واحداً من مصادر فخري واعتزازي قيامي بالتوثيق البصري لجرائم العصابات الإرهابية المسلحة في سورية، عندما قمت بإنتاج وإخراج عدد كبير من الأفلام عرضت على شاشات التلفزيون وأصبحت بمثابة وثائق بصرية عن بعض ما جرى في سورية على أيدي هذه العصابات الإرهابية، وأيضاً عن من مولهم ودعمهم مادياً ومعنوياً وعسكرياً، إضافة للدور الذي قمت به أيضاً في الدفاع عن سورية في منابر الأمم المتحدة مع مجموعة من سيدات سورية الفاضلات في نيويورك وجنيف، رغم أن هذه المنظمات هي ذراع للسياسة الأمريكية وامتداد للمشروع الأمريكي في المنطقة، لكن في الوقت الذي استطعنا فيه الوصول إلى منصات هذه المنظمات لم نقصّر في الدفاع عن الوطن، وفي عرض حقيقة ما يجري على أرضه، ومن خلال هذه الأدوار التي امتدت على مدى هذه السنوات السبع عشت العمر ثلاثة أعمار أو أربعة، لأنني منحت شرف خوض هذه المعركة، ومنحت هذه الفرصة لعيش هذه الحياة الغنية مع جنودنا على الجبهات ومع ذوي الشهداء والجرحى، وفي المنصات الدولية والمنصات الإعلامية الوطنية، وأرجو أن أكون قد أجدت وقدمت ما استطعت.

إمكاناتنا الإعلامية كبيرة
أما إطلالاتها على المنابر الإعلامية ودورها في تقييم الأداء الإعلامي الوطني خلال سنوات الحرب، خاصة وأن الحالة جديدة على إعلامنا ولا تتوفر لديه الإمكانات التي يواجه بها الإعلام الآخر.. قالت: ماكان يجب أن يقوم به إعلامنا ليس متعلقاً بالإمكانات، نحن لدينا إمكانات هائلة على الأقل على المستوى البشري، لكن المسألة متعلقة بالذهنية والعقلية، وبكيفية رؤية الدولة للإعلام، وإعلامنا لم يستطع خوض هذه المعركة بالشكل المطلوب، فأداؤنا السياسي والعسكري كان أعلى بكثير من أدائنا الإعلامي، كان إعلامنا في حالة رد فعل أكثر مما كان في حالة الفعل على الإعلام الخصم.
أنا دائماً أقول: قبل أن أجيب على كيف؟ بمعنى أي غد نريده لسورية، يجب أن نجيب على ماذا ولماذا؟ ماذا حدث ولماذا حدث، وقد حاولت عبر أفلامي التي قمت بها لتوثيق جرائم العصابات إذ أجريت مع آلاف قادة المسلحين وعتاة الإرهابيين في سورية، لقاءات مباشرة كنت أبحث عن إجابة ما الذي جرى ولماذا جرى، عن حقيقته ودوافعه أو مبرراته الداخلية، وأيضاً مبرراته الخارجية، وأعتقد أن هذه الأفلام أجابت على العديد من الأسئلة، لكن نحتاج إلى المزيد من طرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة لكي نستطيع أن نصيغ غداً لايمكن اختراقنا فيه كما حصل في السبع سنوات حرب، وأعتقد أنني عندما دعيت أديت هذا الدور، وللأسف الشديد كنت ممن يستشارون خلال الحرب، والحقيقة لا أستطيع أن أدعي أنهم لم يسمعوني، بل سمعوني كثيراً، لكن أعتقد أن سماعي كان أقرب للمنولوج وكأنني أحدث نفسي وكما يقال: لا رأي لمن لايطاع، ربما المشكلة ليست في الأشخاص، بل في البنية القائمة، ونحن جعلنا الحرب عكازاً ومشجباً نعلق عليه كل ما لانريد فعله، وكلما قلت لهؤلاء لدينا فرصة ذهبية للتغيير يحتجون بالحرب التي أصبحت عكاز الفاشلين والعاجزين، لكن أعتقد أن طبيعة الأشياء سوف تفرض علينا جميعاً تغيير مايحدث الآن.
ضبط مواقع التواصل
هذه الحرب فسحت المجال لاختراق المهنة الإعلامية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي حيث أصبح أي أحد يستطيع أن يعمل صحفياً ويكون مسموعاً، وأن يكون شاهد عيان وينشئ قناته الخاصة على اليوتيوب، والغالبية منا كنا مساهمين في هذا الشيء.. وهنا ترى د. عيسى أن ضبط هذا الموضوع يحتاج إلى شجاعة في طرح بعض القضايا..فتقول: منذ بداية الحرب كنت مع إغلاق الفيسبوك، فالصين واتساعها لديها فيسبوك خاص بها، فكيف بدول صغيرة مثلنا سهلة الاختراق وتعرض نسيجها الوطني للعوار، كيف نستطيع ضبط إيقاع مواقع التواصل التي وصل فيها سقف الخطاب إلى حدود غير مسبوقة، لكن لم يستجب أحد، والمؤسسة السيادية كان لديها وجهة نظر أنه ربما هذا السجال يتحول إلى حوار، لكن نحن لا نمتلك ثقافة الحوار في مجتمعاتنا، وبالتالي حتى الآن تحولنا إلى سجال السجال، ومواقع التواصل ساهمت في تمزيق النسيج الوطني أكثر بكثير مما ساهمت وسائل الإعلام، وهذه المواقع لايمكن ضبطها إلا قانونياً كما فعلوا بإقرار قانون الجرائم الالكترونية الذي يجعل من حق أي شخص منا يتعرض للقدح أو السب أو الذم، أو ربما تعرض حياته للخطر عبر وسائل التواصل أن يقيم دعوى لدى الهيئات المختصة، وأن يجر الطرف الآخر إلى المحكمة، لكن أعتقد أن هذا مفعوله لن يكون بالشكل المطلوب لأن خصومنا معظمهم خارج البلاد، ولا أقصد خصومنا الشخصيين بل خصوم الوطن، وضمن الفوضى الإعلامية كل مايقال يمكن أن يصدق، على مبدأ غوبلز “اكذب اكذب حتى تصدق أنت ما تقول”، والحقيقة الكثرة أو الوفرة تعني اللامعنى، وفي هذه الحرب غاب المعنى نتيجة وفرة الأخبار بشكل غير مسبوق، خبر يلغي صورة، وصورة تلغي صورة لدرجة أننا وصلنا جميعاً إلى حالة عدم يقين، ففي الحروب المختلطة كما في الحرب على سورية تضيع البوصلة وتأتي لحظة لانعرف فيها من القاتل ومن القتيل، خاصة إذا كانت الآلة الإعلامية الخاصة بالطرف الآخر آلة قوية منهجية ومدربة.
وعلى ذكر الصورة، الحرب بدأت ولا زالت تقوم على فبركات الصور سواء من الأرشيف أو عبر الموبايلات أو غيرها من الوسائل، هنا نتساءل عن الإمكانيات التي يملكها إعلامنا لصناعة صورة تواجه فبركات الإعلام الآخر، وكيف يمكننا صناعة صورة وتوظيفها في الوقت والمكان المناسبين..هو سؤال مشروع.. لكل شخص مواكب.. فأنا كما تقول د.عيسى أستاذة صورة، ولدينا هذه القدرة ولكن ليس لدينا العقلية كما قلت التي تدير صناعة الصورة، فالإعلام صناعة ونحن ما نزال حتى الآن ننظر للإعلام باعتباره رسالة وهذه رؤية قاصرة، الإعلام صناعة بكل ما للكلمة من معنى، وصناعة الصورة تحتاج إلى عقل يديرها، عقل يضعها في السياق الذي يخدم الأجندة الوطنية أو السياسية، نحن حتى الآن لم نحدد ماذا نريد، ليس لدينا إستراتيجية إعلامية، وعلى مدى سبع سنوات الحرب نرتجل، نحن مانزال في موقع الردود، وهذا يجعلنا عاجزين عن إنتاج أخبار وصور مرافقة للأخبار وقادرة على خوض هذه المعركة والانتصار فيها.

إستراتيجية إعلامية
في المنهجية الإعلامية، وفي توصيات المؤتمر الوطني للإعلام الذي مضى على انعقاده أكثر من عام كان التأكيد على وضع إستراتيجية إعلامية حددت فيها الرسائل التي يجب أن تصل لتحصن المواطن داخلياً وخارجياً.. فهل تحققت تلك التوصيات..؟ رغم أن المؤتمر كان ثرياً ومهماً بحواراته ومحاوره لأنها تعلقت بالعلاقة التفاعلية ما بين الإعلامي وما بين المواطنين، أي بين المرسل والمتلقي، وهما طرفا العلاقة.. ترى د.عيسى أننا خرجنا بتوصيات إذا قُدر لها أن تترجم سيكون لها فعلها في تصويب البوصلة الإعلامية، لكن الوزارة لدينا أصبحت عقداً موسمياً، المؤتمر حصل في عهد وزير سابق، فجاء وزير آخر ربما يستكمل ما بدأناه، وربما نرى مؤتمراً قادماً يستكمل ماطرح، هذه الموضوعات مهم جداً فتحها والحوار حولها، لأننا إذا لم نتحاور سوف نتصادم، فالحوار يلغي سوء الفهم، ويمكن أن يضعنا على الطريق الصحيح، وأرجو أن يستمر الوزير الحالي في استكمال ما قد بدأ في عهد الوزير السابق، وأعتقد أن لديه رؤية وخطة، أرجو أن تكون قادرة على البدء بانتشال إعلامنا من بعض مآزقه التي لم يستطع على مدار السنوات الماضية أن يخرج منها.
أيضاً القوة التي تتمتع بها على جبهات القتال نقرأ وجهاً آخر لها
في الزاوية الصحفية الأسبوعية التي تحمل الكثير من الحزن والوجع، نقرأ وجهاً آخر للدكتورة نهلة..ولكنها تنفي أنها حالة ضعف، وهي بالنهاية كما تقول بشر أحب وأكره وأحزن وأغضب، أنا على مدار سبع سنوات رأيت ما لم يراه بشر، سواء على جبهات القتال مع الجنود، أو مع الإرهابيين الذين ألتقيهم، سمعت أشياء لا يمكن أن تصدق، لذلك لا أستطيع إلا أن أكون حزينة، يعني لا يمكن لي وأنا أرى هذا الوطن الجميل الذي يعنيني كثيراً وهو كل ما أملك، أنا ابنته وأنتمي لكل تفاصيله، وكل أخطائه وحسناته، وإلى كل ما فيه، ولا يمكن أن أرى على الطرفين أعداداً هائلة من الشباب يموتون إلا وأحزن، لأن هؤلاء جميعاً أبناء الوطن بغض النظر عن من هو على خطأ ومن على صواب، سورية على مستوى القدرة البشرية خسرت الكثير، وعلى مستوى النسيج الوطني خسرت الكثير، الحجر يتم إعماره لكن البشر الذين هدوا الحجر إصلاحهم وترميم أرواحهم وأوجاعهم وهواجسهم ليس سهلاً، هذا ما يجب أن نسعى لوضع خطط له، نحن بحاجة إلى إعادة بناء هيكلي قيمي روحي للسوريين جميعاً، نحن جميعنا مرضى نفسيين شئنا أم أبينا، لذلك معركتنا القادمة والأهم هي في بناء السوري وليس في بناء سورية بالمعنى اللوجستي، لأنه هو القادر إما أن يبني وإما أن يهد، مابناه أجدادنا على مدار تاريخ طويل هدّه مجموعة من الصبيان في أقل من سبع سنوات، ولذلك من يستطيع الهدم هو من يجب أن يبنى من جديد، وهو ما يجب أن تبنى عليه كل استراتيجياتنا في قادم الأيام.
في مقالتها المكتوبة أسبوعياً لا تقف عند حد أو سقف يتطلب أن تحكي فيه عن أوجاع الوطن والشعب، فهي مطالبة كما الكثير بالعمل على رأب الصدع بين السوريين جميعهم ولملمة الجراح، لكن، لانريد ردم المستنقع على مافيه من قيح وألم، نريد تنظيفه من جراحه وتعريضه للشمس ومن ثم ردمه، وإلا سنبقى نمشي على الزجاج المكسور في هذا الوطن وهذا لم يعد مقبولاً، ربما نحن أصبح عمرنا خلفنا، لكن ما ذنب الأجيال القادمة بحسب قولها.
في عيد أبطالنا الميامين..تقول د. عيسى إنهم هم ضمير هذا الوطن، وهم أجمل وأنقى وأنبل مافيه، هم صناع الأمل وليسوا مشاريع استشهاد، هم مشاريع حياة، وأنا فخورة أنني كنت دائماً بينهم، وأنهم شرفوني وباركوني بأنهم حولوني إلى أيقون ينتمي إلى هذه المؤسسة العظيمة، وأقول أن بهم ومن خلفهم لابد منتصرون.

حاورتها: سلوى عباس