الزراعة العضوية.. خطوات تراوح في المكان وغوص عميق في “تربة العثرات”!
رغم أهمية الزراعة العضوية، واتساع مجالها في حل الكثير من القضايا، مازال ذلك الملف تشوبه الكثير من المشاكل، ليس بدايتها لتذرع بالأزمة، وليست آخرها معضلة البحث عن طرق تشجع المزارع على خوض غمارها، واختيار المحاصيل الفائضة، ليبقى ذاك التوجه مراوحاً في مكانه منذ ما يزيد عن عشرة أعوام، وحتى الآن مازال السوق خالياً من أية مادة عضوية مسجلة في وزارة الزراعة، وجاهزة للاستهلاك والتصدير، أما من ناحية المعطيات الجديدة فهي لا تختلف عن خطوات العمل المتعثرة، فهي لا تحمل في طياتها أي جديد، ما عدا “النية” لإحداث تغيير بسيط في مجريات النهوض “بالعضوية”، لاسيما بعد نفض غبار الإرهاب، خاصة مع وجود بعض الشركات الراغبة بالعودة، والعمل في هذا القطاع، ومنح التراخيص.
غير مجد
الدكتور مازن المدني، مدير المكتب العضوي في وزارة الزراعة، يشرح ويفيض في تاريخ وحاضر الزراعة العضوية كمن يعلن خلو جعبته من أي جديد، فبعد اعتباره أن الزراعة العضوية من أهم القطاعات الزراعية الحديثة في العالم، حيث إن معظم الدول تتجه إلى مثل هذا النمط من الإنتاج للحصول على قيمة مضافة أكبر للسلعة، وتقليل المدخلات الصنعية والكيميائية، وإيجاد الحلول والبدائل الطبيعية لها، أشار إلى أن الزراعة العضوية أحد أهم قطاعات الإنتاج الواعدة في سورية، على الرغم من أنها لا تشغل سوى نسبة صغيرة من مجموع المساحة المزروعة حالياً، وذلك لما توفره من فرص وإمكانيات كبيرة للتوسع بهذا النمط من الزراعة، إضافة إلى أنها تعتبر حلاً للكثير من مشاكل الزراعة التكثيفية، وتفتت الحيازات الزراعية، وتلعب دوراً مهماً في التنمية الريفية من خلال المحافظة على القيمة المضافة، والمحافظة على الموارد الطبيعية واستدامتها، والمحافظة على البيئة، ما ينعكس إيجابياً على صحة الإنسان، والحيوان، والتربة، والماء، والهواء، معرّجاً على أول تجربة محلية رسمية في عام 2006 عبر مشروع التعزيز المؤسساتي للزراعة العضوية الذي نفذته وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والذي استمر لنهاية عام 2012، وانتشرت من خلال المشروع ما يسمى بمدارس المزارعين الحقلية العضوية في المحافظات السورية، كما أُجريت أبحاث وتجارب على بعض الحاصلات الزراعية من بينها: الزيتون– الفستق الحلبي– البندورة المحمية– القطن- النباتات الطبية والعطرية لدراسة مدى إمكانية تطبيق الزراعة العضوية عليها، مبيّناً أن الهدف كان يتجه نحو نشرمبادئ ومفهوم الزراعة العضوية على كافة المستويات من مزارعين، وفنيين، وصناعيين، وتجار، وتهيئة الأرضية الفنية، والبيئة المناسبة للبدء بهذه الزراعة من خلال استخدام أسلوب إرشادي متكامل يبرز فيها دور الإرشاد الزراعي.
مساع
وبعد الوقوف على أطلال ما تمت زراعته وإنتاجه من الزراعة العضوية في الـ 2010 بيّن المدني أن المكتب يسعى إلى التعاون مع هيئة البحوث العلمية الزراعية لإنشاء وتجهيز مزرعة نموذجية عضوية تكون موقعاً لنشر ثقافة الإنتاج العضوي، ومكاناً لتدريب الفنيين، والمزارعين، والمنتجين على هذا النوع من الزراعة، في حين تم التشبيك مع هيئة الاستثمار السورية لوضع مجموعة من الفرص الاستثمارية في هذا القطاع لتشجيع المستثمرين، وأصحاب رؤوس الأموال للعمل في هذا القطاع، وتهيئة الأرضية المناسبة لعمل المستثمرين المحليين والخارجيين، من حيث المساعدة على تأمين مستلزمات الإنتاج، وإيجاد البدائل الصحيحة والمناسبة لمواد الإنتاج ومستلزماته، إضافة إلى التواصل مع كلية الزراعة في جامعة دمشق، وتنظيم ندوة حول بحوث الزراعة العضوية، وآفاق تطويرها في سورية، إلى جانب البرنامج الوطني لدعم البنية التحتية للجودة بهدف دعم تأسيس المكتب وفق نظام إدارة الجودة الآيزو 9001/2008، وبشكل يتواكب مع متطلبات العمل مع جهات منح الشهادات الأجنبية، وبيّن المدني أن الجهود حثيثة لجهة التعاون مع المركز السوري لخدمات الاعتماد لضمان اعتماد جهات منح الشهادات الأجنبية، وآلية عملها في القطر، إضافة لاعتماد آلية جهة محلية راغبة في العمل بمجال منح الشهادات العضوية، وأضاف المدني بأن المكتب عمل على التأسيس والتجهيز المادي والبشري للمديرية، وبدعم من الحكومة، وبدأ العمل الفعلي في دوائر المكتب بالمحافظات مع مطلع عام 2015 من خلال البدء بتنفيذ نشاطات تدريبية ضمن خطة تدريب متكاملة، وبالاعتماد على خبرات محلية مترافقة مع خطة نشر وتوعية إرشادية تتحقق من خلال عدد من النشاطات التوعوية، أما المرحلة القادمة فهي تتميز بأهمية خاصة– بحسب المدني- تتجلى بالسعي لتبني المزارعين والمنتجين لهذا النمط من الإنتاج وفق أسسه الصحيحة، دون إغفال الأهمية الكبرى لاستقطاب جهات متعددة لمنح الشهادات، والمراقبة العاملة بهذا المجال، حيث تعتبر حجر الأساس في عملية التحول للإنتاج العضوي.
فيما لو
ونوّه المدني إلى أن أغلب أنواع الإنتاج الزراعي يمكن أن تتحول إلى الإنتاج العضوي مع وجود بعض التباين بين محصول وآخر، ومن المفضل أن يتم التوجه إلى المحاصيل الأكثر سهولة، والتي تحقق عائدية اقتصادية عالية، وتتوفر بشكل اقتصادي لإمكانية تصديرها، أي أن يتم التركيز على عدد محدد من المحاصيل في بداية الأمر مثل: (الزيتون– الحمضيات– النباتات الطبية والعطرية– الفستق الحلبي)، أما موضوع التكلفة فهو نسبي بين محصول وآخر، ففي الإنتاج العضوي يتم الاستغناء عن الإضافات الكيميائية، والصنعية، والاستعاضة عنها ببدائل طبيعية، ولهذا فإن انخفاض الإنتاج بالزراعة العضوية أمر نسبي بين محصول وآخر، وقد يتحول إلى زيادة في بعض المحاصيل، بالإضافة إلى أن السعر الأعلى بالنسبة للمنتج العضوي يؤدي لتغطية أي انخفاض محتمل لكمية الإنتاج، أو أية تكاليف إضافية، وشدد الدكتور المدني على ضرورة دعم وتشجيع إقامة أسواق محلية وخارجية للمنتج العضوي السوري، لاسيما أن الأسواق الخارجية: (الأوروبية، والأمريكية، والآسيوية، وغيرها) تتجه إلى استيراد المنتجات الآمنة والصحية، وهي منتجات لا تخضع للسياسات التسويقية، والقيود المفروضة على المنتجات التقليدية.
توافق
لم يختلف كلام مدير مكتب الإنتاج العضوي عن رأي وحديث مدير الموارد الطبيعية في الهيئة العلمية للبحوث الزراعية الدكتور محمد الزعبي الذي تحدث عن أن الزراعة العضوية هي أسلوب الإنتاج الزراعي الذي يتيح إنتاج سلع ذات جودة، وهي في الوقت نفسه تسمح بالحفاظ على الموارد الطبيعية والبيئية، واحترام النظام البيئي، وصحة الإنسان، والحيوان، والنبات، علاوة على ذلك يحظر استخدام المنتجات الكيميائية المركبة والمنتجات التي تحتوي على كائنات معدلة وراثياً، وكذلك الأسمدة الكيميائية، والهرمونات، وغيرها، علماً أن الكثير من المنتجات الزراعية السورية تكون ضمن حكم الزراعة العضوية، وفي كل عام يحضر الكثير من التجار من الدول المجاورة لشراء هذه المنتجات وبيعها بأسعار عالية على أنها منتجات عضوية، حيث تقوم مبادئ الإنتاج العضوي على إنشاء نظام إدارة مستدامة للزراعة تراعي الأنظمة، والدورات الطبيعية، وتشارك في التنمية، والمحافظة على صحة التربة وخصوبتها، وغيرها الكثير من الأمور التي تصب في مصلحة التربة وخصوبتها، والحفاظ على التنوع الحيوي، والصحة، بما في ذلك البيئة المائية، وجودة الأنظمة البيئية المحيطة.
حل مثالي
وأفاد الزعبي بأن الزراعة العضوية كانت لها أهمية كبيرة في سورية من حيث التنوع البيئي الذي تتميز به طبيعة الأرض، وبالتالي تنوع المنتجات الزراعية، علماً أن الكثير من هذه المنتجات لا تتلقى أسمدة ولا مبيدات، وبالتالي تعد زراعة نظيفة كزراعة القمح، والشعير، والعدس، والحمص، والكثير من الأشجار المثمرة، وبالتالي يمكن للزراعة العضوية أن تؤمن دخلاً جيداً للفلاح، بالإضافة لتأمين أسواق خارجية لتصريف المنتجات الزراعية، وبالتالي تأمين القطع الأجنبي، واعتبر الدكتور الزعبي أن الزراعة العضوية حل لكثير من المشاكل الكبيرة من بينها الحمضيات، مؤكداً على أن منح ترخيص بعض مزارع الحمضيات عضوياً سيؤدي إلى الانتهاء من مشكلة الفائض عبر تصديرها لكثير من دول الاتحاد الأوروبي، وبأسعار جيدة، وأثنى الزعبي على المشروع الدولي الذي جمع البحوث العلمية الزراعية، ومنظمة الأغذية والزراعة الفاو، والذي تمخض عنه قانون الزراعة العضوية، ومكتب الزراعة العضوية في وزارة الزراعة، أما كيفية الحصول على منتج عضوي فيجب أن يخضع– بحسب الزعبي– إلى رقابة من قبل شركات أجنبية خاصة تمنح شهادة منتج عضوي، أو مزرعة عضوية، وخلال الأزمة لم تتقدم أية شركة حتى الآن للعمل ومنح التراخيص.
خطوات
وبيّن الزعبي أن الحصول على منتج عضوي يمكن أن يتم من خلال اتباع أسلوب زراعة متكامل ومراقب ضمن خطوات معينة تتماشى مع القوانين والتشريعات الناظمة للزراعة العضوية، وهذا يعني أن المزرعة العضوية يجب أن تكون في أرض غير ملوثة أو محاطة بأي مصدر للتلوث يمكن أن يؤثر في نوعية منتجاتها، مع وضع إجراء احترازي يتمثّل بوجود فترة تسمى “فترة التحول تمتد من عامين إلى ثلاثة أعوام”، يجري خلالها وقف أية إضافة كيماوية للموقع أو مكوناته، والاستعاضة عنها بالأسمدة العضوية من المخلفات الحيوانية والنباتية المتخمرة، والأسمدة الخضراء كالبقوليات، ومطحون الصخور الطبيعية الغنية ببعض العناصر المعدنية.
نجوى عيدة