ثقافةصحيفة البعث

المونودراما في مصياف.. بعد غياب 12 عاماً

 

على الرغم من تقديم عدد من المسرحيات الهامة لكتّاب لهم بصمتهم في المسرح السوري على مدى الأعوام السابقة ظلت المونودراما في مدينة مصياف المعروفة بنشاطها المسرحي المتميز من النوع النادر، ومنذ ما يقارب 12 عاماً لم تُقدَّم على خشبة مسرحها لما فيها من صعوبة.. من هنا يبدو مسرحيو مصياف وجمهورها سعداء بعودة هذا النوع من المسرح من خلال مونودراما “ليلة التكريم” تأليف جوان جان إخراج علي عبد الحميد تمثيل باسل علو إشراف عام عصام الراشد سيونوغرافيا عماد الدين بدر والتي بدأت عروضها مساء أول أمس الثلاثاء وتُختتَم اليوم الخميس برعاية مديرية المسارح والموسيقا وضمن فعاليات مهرجان حماة الثقافي.

أصعب التجارب وأروعها
ويصف الفنان باسل علو تجربته في مونودراما “ليلة التكريم” لتجمع صدى الروح الفني بأنها من أصعب التجارب وأروعها لما فيها من خصوصية وتنوع، وقد حرص فيها على تقديم النص بإخلاص للأفكار الموجودة فيه وقد بذل الجهد الكبير فيها من أجل تقديم أفكار جيدة وجديدة ومميزة، فكان من واجبه كممثل أن يسعى إلى إيصال ما يريد قوله من على الخشبة وهو يعلم صعوبة المونودراما ومدى أهمية النجاح في الإمساك بزمام الأمور على الخشبة لأن الهفوة ستتجلى واضحة للمتلقي، وهذا ما يجعل الممثل يبذل قصارى جهده في ألا يقع في الأخطاء التي ستجعل تعبه يذهب أدراج الرياح باعتبار أن المتلقي سيتذكر الخطأ ويبدأ بنسيان الفكرة الأساسية والابتعاد تماماً عما تقوله المسرحية، مبيناً أن شدَّ انتباه الجمهور في المونودراما قرابة ساعة من الزمن ليس بالأمر الهين، فالتفاصيل الكثيرة فيها تحتاج إلى ممثل متمكِّن ومخرج شديد الانتباه والملاحظة لضبط الإيقاع الكلّي للعرض، ولا يخفي علو أن الصعوبة في “ليلة التكريم” كانت في التعامل مع النص بحذر شديد والانتباه بشكل كبير لكل تفصيل، فقد كان الغنى بشخصياته التي تتعدى العشرين شخصية أمراً له من الصعوبة بمكان لدراسة الحالات الكثيرة التي تبدو عند كل شخصية بروحها وجسدها وانفعالاتها وتعاملها مع الشخصية الرئيسة بمبدأ الفعل وردّ الفعل وإتقان تقديم هذه الحالات بطريقة الكركتر لجذب المتلقي والتفريق بالنسبة له بين الحقيقة ونقيضها، مؤكداً علو أن المونودراما تحتاج إلى ممثل متمكن من أدواته ولديه القدرة على جلب الأصوات في اللحظة المناسبة للتفريق بين شخصية وأخرى، وكذلك القدرة على التبنّي الكلي لجميع الشخصيات المؤداة على الخشبة، وهذا برأيه يحتاج إلى ذكاء من نوع خاص وقدرة من الممثل على أن يتأنى في دراسته للشخصية وأن يمتلك الإيمان الكبير بنفسه وبالمخرج الذي منحه الثقة لتقديم ما هو مناسب، وأن يتمتع بحسن الاستماع والمراقبة الجيدة لنفسه وتطور الشخصية التي يؤديها.. من هنا تعامل علو مع النص بفهم واضح وقراءات كثيرة لتاريخ الشخصيات والبحث عن بيئتها ومصدرها ومنبتها، فكانت عملية التبني هاجسه الوحيد، مع إيجاد الأشكال والأصوات المناسبة لكل شخصية، مبيناً أن الكاتب لم يدع له أو حتى للمخرج الفرصة في الإضافة أو الحذف إلا في إضافة تفصيل بسيط في النهاية وهو تلخيص إيمائي يعبِّر عن كل ما مرت به الشخصية، مشيراً إلى أن علاقته بالمخرج علي عبد الحميد كانت علاقة الأب الروحي، خاصة وأنه شارك معه في العديد من الأعمال المسرحية، منوهاً إلى أن من يعرف علي عبد الحميد يعرف مدى عطائه وتفانيه لإيصال الممثل إلى أبهى صورة له أمام الجمهور، وسبق لباسل علو أن شارك في العديد من الأعمال المسرحية تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً والتي قُدِّمت في مصياف للكبار والصغار.

البداية
كهاوٍ دخل المخرج علي عبد الحميد عالمَ المسرح الكبير الذي لم يكن يعرف عنه إلا ما يعرفه أيُّ إنسان عادي عندما قرر أن يصبح ممثلاً في العام 2000 وقد ساعده في ذلك نشوء فرقة هاوية هي فرقة صدى ومع مخرج صاعد هو عصام الراشد، مشيراً إلى الكاتبين الراحل ممدوح عدوان ورفعت عطفة اللذين كانت لهما اليد البيضاء في إنشاء الفرقة واستمرارها إلى الآن، فكانت فرقة صدى المسرحية السبيل للوصول إلى المبتغى، فقدم عبد الحميد مع الفرقة الكثير من النصوص الأجنبية والمحلية، وبالتدريج أصبح ممثلاً جيداً يلعب مختلف الأدوار، وقد احتاج ذلك إلى الكثير من الصبر والمشاهدة والبحث والمِران والقراءة والتحليل، وفي العام 2007 كان أول عمل له كمؤلف ومخرج، وقد بقيت كتاباته محدودة مقارنةً بنشاطه في التمثيل والإخراج، وكانت ثاني تجربة له في هذا المجال عام 2013 بعرض للأطفال، ليقوم بعدها بتأسيس فرقة صوت المسرحية مع بعض الشباب الذين يملؤهم الشغف وقدموا العديد من العروض المسرحية.

رؤية خاصة
أحب المخرج علي عبد الحميد المونودراما كعالَم جديد أراد الدخول إليه، فكان نص “ليلة التكريم” الذي قرأه منذ عدة أعوام، متمنياً تقديمه كممثل، وشاءت الظروف اليوم أن يكون مخرجاً له، مبيناً أنه نص فيه من الغنى الدرامي والوجداني ما يجعل أيَّ مخرج أو ممثل يقرأه يتخيل نفسه على الخشبة يتفاعل مع كلماته بكل صدق وإحساس، ويسعده اليوم أن يرى الممثل علو يجسّده فوق الخشبة ويحاول هو إيصاله كمخرج إلى وجدان المتلقي، مع محافظته على ما يريد أن يقوله الكاتب برؤيته الخاصة وبشكل سلس بالتعاون مع فريق عمل المسرحية لتحقيق النجاح المطلوب، وهو المؤمن أن فن المونودراما ليس هو فن الممثل الواحد فحسب وإنما فن لمجموعة متكاملة تعمل في الظل ضمن علاقة خاصة روحية تربط الكاتب والممثل والمخرج والخشبة، حيث المونودراما برأي عبد الحميد تحتاج إلى ممثل يمتلك من الأدوات والتقنية ما يخوله ليقف بصلابة وجدية على الخشبة، متنقلاً بإتقان بين حالات النص المتعددة وبصدق تام، مع اعترافه أن وجود الشخصيات المحورية العديدة التي يستذكرها البطل تجعل العمل أكثر صعوبة، مبيناً أنه قام بتحليل كل شخصية على حدة، وهذا جعل الاقتراب إلى الشخصية المركزية أمراً سهلاً، ساعدته على تحليلها كثرةُ الفرضيات والارتجالات التي يتيحها، منوهاً إلى أن اختياره للمونودراما سببه حبه للتجريب واكتشاف هذا النوع من الفن، إضافة إلى علاقته الروحية مع الممثل علو وقناعته أن الممثل ليس أداة وإنما هو أنا الآخر على الخشبة.
وأول مسرحية لعلي عبد الحميد كممثل كانت “حكي السرايا” لممدوح عدوان ثم تتالت أعماله، أما في الإخراج فكانت أول تجربة له عام 2007 عبر نص من تأليفه وتوليفات عن أربع قصص عالمية ومحلية، ثم أتت مسرحية “نور العيون” لجوان جان والعديد من الأعمال الأخرى، ولديه العديد من النصوص والأعمال التي لم ترَ النور بعد.
أمينة عباس