بعد أن طالتها وحشية الإرهاب قرى السويداء.. صمود ومقاومة في وجه القتلة دفاعاً عن الأرض والكرامة.. وشهادة من أجل الوطن
لكل شهيد من شهداء يوم السويداء الدامي قصة وحكاية مع الصمود والاستبسال حتى آخر رمق، ولكل مواطن نجا أيضاً حكاية، وكل حكايا ذاك اليوم الدامي تشكّل رسالة لمن حاول تدنيس أرض جبل العرب بأن تلك الأرض كانت ولاتزال مقبرة لكل غاز ومعتد،
تتحدث أم محمود جمال الجباعي بشموخ وعزة كيف حملت (الروسية) وقتلت اثنين من الإرهابيين، كما وصفتهم، وكيف أطفأت النار التي أشعلوها في منزل ولدها، أم محمود التي أصبحت اليوم أيقونة التضحية والمقاومة أطفأت النار، لكنها أججت نار حقدهم وغيظهم وغدرهم فرموها بالرصاص بعد أن استطاعت ببسالتها إنقاذ أولاد ابنها، كبيرهم في السابعة، وصغيرهم ابن السبعة أشهر.
أما البطل يامن أبو عاصي فله مع البطولة قصة كتبها بدمه عندما رمى بنفسه على الانتحاري الغادر، وجنّب الأبرياء مذبحة كان الإرهابي بفكره الحاقد يخطط لها، فمضى أبو عاصي شهيداً كريماً بعد أن سطّر أسطورة في التضحية والفداء، وهناك في قرية الشبكي (أم الشهداء) عاشت حنين الجباعي، الطالبة في الثالث الثانوي، الشابة الآبية التي أبت عليها عفتها أن تكون سبية لهؤلاء الكفرة الأوباش، فطلبت الموت ورمت نفسها في خزان المياه، إلا أن لله حكماً آخر فسلمها من الموت، ومن أيادي هؤلاء الكفرة المارقين، وأسطورة البطولة الطفل الشهيد دانيال ناصر مقلد في ربيعه الرابع عشر، قاوم شذاذ الآفاق، وأمن خروج أمه وأخواته، واستمر يكافح ويقاوم حتى نال شرف الشهادة على عتبة منزله بطلاً شامخاً يطاول رؤوس الجبال عزة وكرامة بعد أن قتل ثلاثة من الإرهابيين.
بسالة التصدي
هي مجموعة من القصص التي يتناقلها أبناء السويداء اليوم، وغيرها الكثير من القصص التي خطت حروفها بسالة أبناء المحافظة في التصدي لهجوم قطعان داعش.
حنين روت “للبعث” كيف حدث الشيء المروع، وقالت إنهم استفاقوا فجراً على أصوات غريبة، وفوجئوا بالإرهابيين فوق رؤوسهم، أطلقوا النار على الأم، وفوراً قامت حنين باصطحاب أخواتها محاولة الهرب، واتجهت إلى خزان الماء ضمن الغرفة، أمسك بها الإرهابي من يدها، إلا أنها استطاعت التخلص منه ورمت بنفسها في الخزان، أما الإرهابيون فاستمروا بمسلسل القتل، حيث أطلقوا النار على رؤوس أخواتها، وخرجوا ظناً منهم أن “حنين” توفيت، وبعد خمس ساعات استطاعت الخروج من الخزان، واتجهت إلى خزانة والدتها، وتناولت أدوية للسكر والضغط من أجل الانتحار بعد أن شاهدت أمها وأخواتها يسبحون بالدماء، ثم اختبأت داخل (صوفيه) خوفاً من عودة الإرهابيين، وأثناء وصول المساندة من أبناء الجبل تم إسعافها إلى مشفى السويداء،
حنين طالبة الثالث ثانوي مصرة على متابعة دراستها وتفوقها إيماناً منها بأهمية العلم في مواجهة هذا الفكر الإرهابي المتطرف، وهي اليوم برعاية أحد المواطنين الذي قال هو وزوجته الفاضلة: نحن لدينا ابنتان، والآن لدينا ثلاث، في حالة تدل على التكافل والتلاحم الاجتماعي.
موقفنا ثابت
شيخ العقل لطائفة المسلمين الموحدين الشيخ حمود الحناوي لخص ما جرى بأنه هجوم بربري قامت به المجموعات الإرهابية بكل وحشية، وأكد أنه منذ بداية الأزمة، الموقف الوطني لأبناء محافظة السويداء ثابت لم يتغير بالوقوف مع الوطن والوحدة الوطنية، وقال: نحن موجودون هنا، ومنذ بداية الأزمة لم تمس كرامة أي إنسان في الجبل، مضيفاً بأننا مستهدفون من قبل الإرهاب منذ بداية الأزمة في سورية، وأن من قام بالهجوم على السويداء معروف للعالم بأفكاره المخالفة للإسلام والدين الحنيف، وواجهنا الهجوم الإرهابي بسلاح بسيط وخفيف.
شيخ العقل قال: نحن لم نهزم في التاريخ بأية معركة خضناها، والجيش السوري يقوم بواجبه، ويمدنا بالسلاح لندافع عن أنفسنا، وأهالي السويداء وطنيون وأبطال وشجعان ولا يخافون الموت والردى، وموقفنا لا يتغير، ونرفض التوجيه من أية جهة، وقرارنا ينبع من ضميرنا.
ملحمة وطن
الريف الشرقي ليس قرى حدودية كما يعرفه كثيرون، إنه نبع من ينابيع العلم والمعرفة، يتسابق أهله في هذا المجال لتقديم خدمات جليلة للمجتمع، والأسماء كثيرة، وهو قلعة من قلاع المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي، وبحر لا ينضب لقيم المحبة والتعاون والكرم الأصيل، وهو اليوم عنوان التضحية من أجل الإنسانية.
يستذكر الصحفي عبد السلام الجباعي يوم 21 أيلول 1926، حيث وقعت معركة هي الأعنف على الفرنسيين “معركة الشبكي”
وفي 25 تموز 2018 حدثت مجزرة أقل ما يقال عنها /ملحمة/، في معارك الثورة السورية الكبرى، أطلق على الشبكي معقل الثوار،
وفي معارك الوطن ضد داعش وداعميها، ارتكبت داعش ضد قرية الشبكي وأهلها مجزرة هي الأعنف بالتاريخ راح ضحيتها أكثر من /100/ شخص، منهم 57 شهيداً، و 30 مخطوفاً، وأكثر من 30 مصاباً، عدا عن الدمار والخراب والرعب والترويع للأطفال، والقتل بدم بارد، وتمكن أهل القرية من دحر المعتدين،
ويضيف الجباعي بأنه ورغم هول الصدمة هب أبطالنا الأشاوس بما تيسر لهم من سلاح خفيف وقاوموا مقاومة الأبطال قبل أن يأتيهم الدعم من مختلف الفصائل، بعد أن كانت عشرات الأسر قد ارتقت ببعض أو بكامل أفرادها شهداء، وتابعت داعش مسلسل القذارة بخطف النساء والأطفال وقتل من لم يسر معهم،
فالهجوم على الشبكي تزامن مع الهجوم على شقيقاتها: دوما، ورامي، والشريحي، والغيضة، وطربا، والمتونة، ودخول الانتحاريين إلى مدينة السويداء وفق مخطط مدروس للقضاء على صمود السويداء، إلا أن أبطالنا حاضرون رغم المفاجأة والغدر، ولم يتمكن إرهابيو داعش من الصمود أمام أبطالنا، وانكفؤوا تحت مقاومة شرسة بعد وقوع أكثر من 100 قتيل في صفوفهم، منها /35/ في الشبكي، عدا التي سحبوها قبل انسحابهم.
تاريخ مشرّف
ويبقى السؤال الأهم: لماذا السويداء اليوم؟ وما هي رسالة بقايا داعش من هذا الهجوم الغادر؟.. الكثير من المحللين والباحثين يفسرون هذا الهجوم بأنه استعراض دموي يائس قامت به بقايا داعش علّها توفر جرعة أكسجين للفصائل الإرهابية المندحرة في الجنوب، ومحاولة لشراء المزيد من الوقت، وإعادة خلط الأوراق، وتهيئة عناصر ضغط احتياطية من قبل واشنطن، وتل أبيب، وأنقرة،
يقول الكاتب نبيل فوزات نوفل بأنه بعد أن فشلت كل المحاولات لجر أهل السويداء للمشروع الاستعماري، وثباتهم على ولائهم لوطنهم وعقيدتهم، كان لابد من معاقبتهم، وتدميرهم، وإدخال الدواعش لاحتلال الجبل الأشم، وبالتالي إفشال سيطرة الجيش العربي السوري على الجنوب السوري، والعودة إلى المربع الأول في تهديد العاصمة، وزعزعة استقرار الدولة، وإعطاء قوة ودفع للقوى الإرهابية للتماسك وترميم صفوفها من جديد، وبالتالي وضع السلطة الوطنية السورية تحت المكابح الأمريكية، والعصابات الإرهابية لتنفيذ شروطها، ولكن كانت الصفعة القوية من السويداء البطلة، فهب أهل الجبل الأشم، أطفالاً وشباباً ورجالاً وشيوخاً ونساء، للدفاع عن أرضهم وعرضهم وبيوتهم وتاريخهم، فاستوعبوا الصدمة والغدر والخيانة، وحصدوا القوى المهاجمة من الدواعش، وقبضوا على الخونة والجواسيس، ولقنوهم الدرس الذي يجب، وأعطوا أمثولة قل نظيرها في التاريخ، وأثبتوا أنه لا تستطيع قوة مهما كانت أن تهزم قوماً يملكون عقيدة ومبدأ وانتماء، فقوم يؤمنون بأن الشهادة ولادة جديدة وحياة ثانية لا يمكن أن يُخوّفوا بالموت، فتراهم يتسابقون للشهادة، ولا يتراجعون في وجه أعدائهم، تربوا على حب الوطن واعتباره من المقدسات، فكل طفل وشاب وامرأة وشيخ هو جندي في الجيش العربي السوري، وهم أثبتوا أنهم حماة الوطن، وهم أوفياء لأجدادهم، وسيبقون حماة الوطن، ولقائده سيادة الرئيس بشار الأسد.
النخوة
كان يوم الأربعاء 25 تموز حزيناً أسود بشعاً تفوح منه رائحة الموت التي حملها شذاذ الآفاق، قطعان الجهل، أصحاب الفكر المظلم، إلا أنه ومن عمق كل هذا الظلام والحزن، أشرقت الحقيقة الراسخة بأن جبل العرب المكلل بالغار مبني على إرث عظيم من شيم الكرامة والعزة والنخوة الأصيلة التي توارثها الآباء والأجداد، فسقطت العصابات المتخبطة في خدمة الأجندات الخارجية، ولقيت مصرعها.
رفعت الديك