مُسلّمة ولكن..!
لن نغوص في متاهات التنظير حول “بناء الإنسان وتأهيله”، كونها باتت من المسلّمات التربوية والتعليمية والثقافية، ويدرك أهميتها جميع رموز ومفاصل المؤسسات الحكومية المعنية، وكذلك أرباب الأسر قاطبة، لكن ثمّة بعض النقاط الجوهرية بهذا الموضوع تستدعي بالضرورة تظهيرها نظراً لما تلعبه من دور كبير في تصويب المسار التربوي الأخلاقي قبل العلمي من جهة، وانعكاس الأخير على تمتين أسس الإعمار من جهة ثانية.
بدايةً.. ربما سرعان ما نلحظ الخلل الكائن في العملية التربوية والتعليمية، المعتمدة بشكل كبير على الحفظ والتلقين بدلاً من البحث والتحليل والتفاعل الصفي، فإذا لم يقتنع الطالب منذ الصغر ويدرك معنى ما يتلقاه من معلومات، سواء أكانت ذات صلة بالأخلاق أم بالمعرفة والعلوم والأدب، فرجع الصدى لها سيكون حكماً بأدنى درجاته هذا إذا لم يكن معدوماً، ولعلّ هذا ما يفسّر اضمحلال الكفاءة لدى العديد من المفاصل التنفيذية من ذوي الشهادات العليا.
يضاف إلى ذلك خلل آخر يتمثّل بالتهرّب والتسرّب من التعليم وبشكل خاص التعليم الفني والمهني، وذلك ضمن سياق التوجهات السلبية لدى المجتمع تجاه التعليم المهني والتقني والصناعي، علماً أن هذا النوع من التعليم هو الشريان الحقيقي للنهضة الصناعية في أوروبا، ومنبع هذا الخلل هو الثقافة المجتمعية السطحية رغم أنها نابعة بالأساس من حرص أولياء الأمور على حصول أبنائهم على أعلى الشهادات من خلال غرس فكرة أن الإنسان لا يكون ناجحاً في الحياة -وبطريقة لا تخلو من القسر في كثير من الأحيان- إلا إذا كان طبيباً أو مهندساً، وترافق ذلك للأسف مع توجيهات السواد الأكبر من المدرّسين أثناء الحصص الدرسية –بقصد رفع مستوى الطلاب طبعاً- أن مصير أي طالب فاشل هو إما الشارع أو التعليم المهني الذي لا يغني ولا يسمن من جوع!.
أمام هذا الواقع بتنا بحاجة فعلية إلى برنامج وطني لاستقطاب وتحفيز الطلاب على دخول المدارس والمعاهد الفنية والمهنية، بالتوازي مع ربط مخرجات هذا التعليم بسوق العمل بشكل جديّ وفاعل، إضافة إلى إعداد استراتيجية وطنية للتدريب والتأهيل التعليمي والتعليم المستمر وتطوير المهارات، علّنا نستطيع تعويض ما فاتنا من هدر إمكانيات مهنيينا!.
فالاستثمار في الموارد البشرية يا سادة هو المدخل الأساسي نحو تحقيق التنمية الشاملة ومن أفضل الطرائق في تقدم المجتمعات ورقيها، مع الإشارة إلى أن هذا الاستثمار يبدأ عند رياض الأطفال ويستمر مع مراحل التعليم المتعاقبة ولا يتوقف مع دخول الإنسان إلى سوق العمل.
Hasanla@yahoo.com