فقه الصورة والتراسل بين المخيلة والعين.. فضاءات لجمال بلا حدود
فقه الصورة والتراسل بين المخيلة والعين/ تناص القصيدة العربية مع الفنون البصرية، هو الكتاب الجديد الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب مؤخراً، لـ د. نذير العظمة، الشاعر والناقد وأحد أعلام جيل الرواد في شعر الحداثة، وأحد رواد الأدب المقارن، في كتابه النقدي يأخذنا الباحث –العظمة- ومن خلال منهج بعينه لما أسماه بالخلفيات الجمالية والفلسفية للتراسل، وذلك ليضع تصوراته الحداثية لعلم جمال مقارن يأخذ جدلية الصورة ما بين المخيلة والعين، إلى أمداء من التأويل والتأويل المضاعف، إذ إن وقوفه عند تراسل الفنون بصفة عامة هو معطى جديد لقضية مازالت تشغل الأدباء والمبدعين، لكن خصوصيتها هنا هي في كيفية تحويل الصورة سواء أكانت معمارية أو سواها، إلى صورة شعرية مرئية كما لاحظ ذلك في قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم، بيد أن بحثه عن غير لون من التراسل يأخذه إلى فعاليات إبداعية مشتركة للكلمة والرسم والخط ككتاب «معراج نامة»، وجبران خليل جبران الذي يمارس في إبداعاته رسماً وكتابة وشعراً تراسلاً (بين المخيلة والعين وبينهما وبين الحواس الأخرى، في إطار المبدع الواحد رؤية ومعاناة وحواس)، وهنا يستخلص الباحث فكرة جديرة بالانتباه، نظراً لعمقها الفكري والمعرفي، وهي القائمة على فكرة الواحد المتعدد الموهبة، والتعدد هنا وفي سياق الفنون -على الأرجح- سيجد له غير نظير وغير مقابل جمالي، من خلال ما اصطلح عليه الكاتب –بفكرة التشجير- لا سيما حينما يقارب مبدعون القصيدة اللوحة واللوحة القصيدة، وصولاً إلى القصيدة الهندسية، ومنها وباتساع الدلالة القصيدة البصرية، التي تتكثف فيها استراتيجيات الخطاب الإبداعي، وفي هذا الحيز بالذات، يمكن له أن يتسائل (لماذا تهزنا قصيدة التراسل بين الفنون والشعر من جهة، والشعر والفنون من جهة أخرى؟)، ذلك ما يعيدنا –كقراء محتملين- للخوض في جدوى الشعر وماهية الشعر، كسؤال معرفي أكثر منه سؤالاً شعرياً عابراً، إذ إن الكلمة حينما تتراسل مع غيرها من الفنون تشي بعلم الجمال المشترك بين الفنون جميعاً، لكنها تشي بالجانب الفلسفي كما نذهب مع الباحث، وبدلالة الصورة الحسية والمعنوية واللغوية، سوف تنفتح كل شواغل الباحث بجانبها التطبيقي وبهوامشها الدالة على ما تعنيه القصيدة في تناصها مع الفنون الأخرى، أي أنها تقيم حواراً معها، وهذا الحوار يرتقي بالذائقة الجمالية، ليدشن علم جمال بقيمة مضافة، هي قيمة الصورة ذاتها، التي لن تكتفِ بالشعر، بل تذهب إلى تحولات البصري إلى السمعي (القصيدة والإزميل، معبد كاجوراو)، وكذلك إلى ما يشغل الباحث من تراسل الأسطورة والقصيدة كحالة (بجماليون)، وبما تمثله في الوعي الجمالي العربي والعالمي، وصولاً إلى العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي التي يجد د. نذير العظمة دالتها في كتاب الشاعر والناقد والمترجم د. ثائر زين الدين (ضوء المصباح الوحشي)، والخلاصات الأثيرة التي يقف عليها في تتبع النظام الشعري والأبعاد البصرية والهندسية للقصائد.
في فصولها الست، لا يقف د. نذير العظمة عند الأفق السيميولوجي وحده لمقاربة فعاليات فقه الصورة والتراسل بين المخيلة والعين في الأدب بوصفه ظاهرة، بقدر ما يجلو خصائص بعينها، ليؤسس علم جمال مقارن يتغذى على حقيقة الإبداع، لاسيما الابداع العابر للغة والصورة، وهو شكل يحتفي بحداثة الرؤيا، وجماليات التأويل التي تأخذنا إلى الفضاء الثقافي العام وجماليات تأويل أجناس إبداعية مجاورة لأجناس أخرى وقوفاً على المشترك، واستبطاناً لغير خصيصة تعني المبدع أولاً حينما يتعدد إبداعاً، أي أن ينفتح فكرياً على الإبداع ثوابته ومتغيراته، ودلالاته المخترقة.
أحمد علي هلال