استعراض ترامب
قبل سريان العقوبات الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران، عقب انسحابها من الاتفاق النووي من جانب واحد، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه مستعد للقاء المسؤولين الإيرانيين دون شروط مسبقة، وهي دعوة رأى فيها المراقبون الكثير من الدلالات، في الأهداف والتوقيت.
ماذا يريد ترامب من هذه الدعوة، هل هو بالفعل جاد في حل المشكلة مع طهران، أم أنها مجرد استعراض أمريكي الغاية منه خلط الأوراق، ثم ماذا عن إيران وشروطها للقبول بالعرض الترامبي؟.
منذ إعلانه مرشحاً رسمياً للحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وترامب يردد أنه يريد إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، لأنه “أضر كثيراً بسمعة الولايات المتحدة”، ومع وصوله إلى البيت البيضاوي بقي يردد كلامه عن الاتفاق النووي حتى انسحب منه، رغم إصرار حلفائه الأوروبيين على البقاء به، معلناً حزمة واسعة من العقوبات الاقتصادية على طهران وعلى الشركات التي تتعامل معها بما فيها الأوروبية، ومتوعّداً طهران بالمزيد من العقوبات والحرب الشاملة، في حال لم تمتثل لشروطه وطلباته.
وهو لذلك رمى بكل ثقله السياسي والاقتصادي وشن حرباً إعلامية لمنع شركائه من شراء النفط الإيراني “اليابان-الهند”، وأمر حكام السعودية بزيادة المعروض النفطي لتغطية حصة إيران في السوق النفطية، وكل ذلك بهدف خنق طهران واقتصادها، بعد كل ذلك جاء ترامب وأعلن استعداده للقاء القادة الإيرانيين، إذاً ماذا يريد؟!.
لا شك أن لترامب رسائل عديدة من دعوته، منها للداخل وخصومه الديمقراطيين وحتى حلفائه الأوروبيين بأنه قادر على اللقاء مع خصومه دون تقديم أي تنازلات، وأنه ممسك بخيوط السياسة الأمريكية، وليس كما يصوّره خصومه بأنه ضعيف، وهناك من يسيّره ويرسم سياساته، ومن جهة أخرى فإن ترامب أراد خلط الأوراق الإيرانية واستغلال الأوضاع الاقتصادية الإيرانية لتأليب الشارع ضد حكومته ومطالبتها بلقاء أمريكا أملاً في حل مشكلته الاقتصادية.
ومن جهة أخرى فإن الدعوة عملية ابتزاز كبرى لأتباعه الخليجيين (السعودية- الإمارات) لحثهما على دفع المزيد من المليارات لقاء الإبقاء على عدائه لطهران وحمايتهما من خطرها المزعوم، وإلا فإنه جاهز للقاء القادة الإيرانيين والاتفاق معهم على كل قضايا الإقليم وإزاحتهم، أي الخليجيين، من قائمة حلفاء أمريكا.
إيران منذ الجولة الأولى لمفاوضات الخمسة زائد واحد حول ملفها النووي وحتى نهايتها في فيينا، أكدت التزامها بكل مخرجات المفاوضات وجديتها في تنفيذها، وهي بشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الأخرى الموقعة على الاتفاق ملتزمة بكل بنود خطة العمل المشتركة، وتؤكد دوماً أن يدها ممدودة للتعاون مع كل دول المنطقة، وفي مقدمتهم جيرانها الخليجيون، والعمل على إزالة كل الهواجس والمشاكل بينهم بالحوار والتفاهم على أمن الخليج بما يكفل حماية مصالح الجميع دون استثناء.
وعليه فإن دعوة ترامب للقادة الإيرانيين ستبقى استعراضاً دبلوماسياً لا أكثر، يهدف بالدرجة الأولى إلى تشتيت الرأي العام عن الخرق الأمريكي لكل المواثيق والمعاهدات الدولية، ومنها الاتفاق النووي ، أما طهران وقادتها فإنهم يرفضون أن يتحوّل الملف النووي مطية للدخول إلى ملفات أخرى تتعلق بسيادتها واستقلالها، ويؤكدون أنهم مستمرون بتنفيذ التزاماتهم المنصوص عليها بالاتفاق النووي بالشكل الذي يضمن مصالحهم الاقتصادية والسياسية.
سنان حسن