تلاعب قادة أمريكا وبريطانيا بالعواطف الاقتصادية
عن واشنطن بوست 23/7/2018
“بوسع المرء التأكيد أن انتخابات عام 2016 قد غيّرت وجه الاقتصاد الأمريكي”، ولست أشير بذلك إلى الفوز الصادم للرئيس ترامب في انتخابات الرئاسة، بل إلى قرار بريطانيا المفاجئ بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من أن خروجها لم يكن ذا فائدة لبريطانيا نفسها، وهذا رأي عالمي الاقتصاد بنيامين بويتوغيرنوت مولر، وموريتزشولاريك بعد أن تدارسا حال الاقتصادين الأمريكي والبريطاني خلال العامين الماضيين مقارنة بالتوقعات الاقتصادية لذينك البلدين.
إلا أن لعالم الاقتصاد روبرت سولو رأياً آخر، مفاده أن تلاعب قادة البلدين بعواطف شعبيهما بات أمراً لا يجدي نفعاً، خاصة أن أرقام الإحصاءات بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض قدمت الدليل على عدم وجود أي اختلاف بين الأداء المفترض للاقتصاد الأمريكي قبل وصول ترامب وبعده، ومقارنة مع اقتصاد ثلاثين دولة أخرى.
وإذا لم يقنعك هذا التحليل الاقتصادي المتشائم، فانظر إلى الواقع، كي تجد هذا الرأي صحيحاً، إذ لم تزدد فرص العمل خلال سبعة عشر شهراً إلا بأعداد تكاد لا تذكر، وإليكم ما فعله ترامب.
لم يكن من مبرر للاعتقاد أن ترامب سيفعل شيئاً، فهو لم يفعل شيئاً لتحسين واقع الاقتصاد، وقد سبق له أن ردد مراراً تصريحات مستشاره ستيف بانون: خطة البنية التحتية التي تكلّف تريليون دولار ستكون عظيمة بشكل يحاكي خطة الإعمار في عقد الثلاثينيات، لكن الأمريكيين كانوا ينتظرون بلا طائل.
واتضح أن خطة ترامب ارتكزت على قطاع العمل العام بدلاً من تحسين الوضع الإنساني، وكان قد قال: إن خطته ستبدأ قريباً، لكنها لم تبدأ حتى اللحظة بسبب عدم كفاءته ولامبالاته وهروبه من الحديث عنها.
في الوقت نفسه، كان من المفترض لقيام إدارة ترامب بحسم 1.5 تريليون دولار من الضرائب أن يجعل الاستثمارات تزدهر، تلك الاستثمارات التي وصفها ترامب على أنها ستغدو “معجزة اقتصادية”، لكن ذلك لم يحدث، وما حدث هو أن تلك الأموال انتقلت إلى جيوب الأثرياء، وإلى تعرّض المصارف للخطر، وزيادة تلوث الهواء والماء فقط من أجل تحقيق مكاسب قصيرة الأمد، ويبدو أن خطر كارثة اقتصادية يلوح من بعيد نتيجة حرب ترامب الاقتصادية.
والحقيقة أنك إن تجاهلت تغريداته، فإن ترامب رجل واقعي بما يتعلق بالاقتصاد، ولم نكن سنختار رجلاً يغيّر من سياسات الاحتياطي الفيدرالي، كي تهوي المعدلات إلى مستويات أدنى، ولعل بقاء جيروم باول الذي عينه أوباما هو السبب بأن الاقتصاد صمد على حاله منذ سنتين.
من جهة أخرى، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو سياسة أمر واقع، وهو إجراء يعني بأحسن الأحوال أن بريطانيا ستفكر بالتجارة الحرة في إطار الاتفاقيات التجارية التي أبرمتها مع أهم حلفائها التجاريين، كما يعني في أسوأ الأحوال أن بريطانيا ستفرض ضرائب على البضائع من دول حلفائها، الأمر الذي قد يجعل متاجر ومشافي بريطانيا خاوية من الطعام والدواء بسرعة، لأن وصول المواد إلى بريطانيا سيتطلب وقتاً طويلاً في دوائر جماركها.
لا غرابة إذاً بأن تلك السيناريوهات المتوقعة تخيف رجال الأعمال، وبحسب “فريق بورن الاقتصادي” فإن الاقتصاد البريطاني نما بنسبة تقل عن 2% بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإن إنفاق المال في مصانع وأبنية مكتبية جديدة وسط عدم معرفة ما إن كانت البضائع البريطانية ستجد طريقها إلى الأسواق الأوروبية، سيجعل المرء يتساءل عن مدى قدرة سداد بريطانيا لديونها، ما يعني أن بريطانيا لن تسدد ديونها، ولن ينتظر البريطانيون ليروا ماذا سيحدث قبل وضع أموالهم في استثمارات اقتصاد لم يعد يستحق البقاء في الاتحاد الأوروبي.
لم تكن النتيجة إذاً أزمة مالية شبيهة بأزمة عام 2008، غير أن الانهيار بطيء، وبعيد المدى، وهو يهدد كلا البلدين الولايات المتحدة وبريطانيا بالفقر، وإلى حين ذلك، فليتغافل عن ذلك كل من يريد.
وهذه تذكرة بأن ترامب لم يحقق مأثرة في الجانب الاقتصادي، أما من يخاطبون عواطف الناس فقد يتركون أثراً من دون مأثرة، والويل لهم إن فعلوا ذلك.