الأصولية ومظاهرها المختلفة
“الأصولية ومظاهرها المختلفة” كان عنوان الندوة المرافقة لفعاليات معرض الكتاب في يومه الثاني، أدارها د. عاطف بطرس وبمشاركة د. نهلة عيسى التي حملت مداخلتها عنوان: “ثقافة التنوع والاختلاف” أشارت فيها إلى أن الاختلاف لا يعني الخلاف أبداً، قد نكون مختلفين شكلاً لكن متفقين في أشياء كثيرة، وربما نكون متشابهين ومتطابقين لكن مختلفين بالرأي، وعرّفت د. عيسى التنوع بأنه ضد التوحيد الثقافي أو ما يسمى التجانس الثقافي الذي أصبح مصطلحاً يثير الكثير من الريبة حتى لدى الأمم المتحدة، لأن هناك تخوفاً في أن المجتمعات في سعيها لإحداث نوع من التجانس الثقافي قد يؤدي إلى اندثار أو انقراض كثير من اللغات والثقافات الحية، بحجة إيجاد نوع من أنواع الاستقرار الاجتماعي والوطني في الدول، لكنه يحمل في خفاياه نوعاً من أنواع التنميط الثقافي، وبالتالي هيمنة الثقافة الأعلى والأقوى على ثقافات الجماعات الأولية والصغيرة، هذا على مستوى المجتمع الواحد فكيف لو كان على مستوى العالم.
وتابعت د.عيسى عن سلبيات التنوع الثقافي والتي ربما تكون مصدراً من مصادر القلاقل الاجتماعية وعدم الاستقرار، وهذا يحدث غالباً ضمن المجتمعات التي لم تحسم هويتها الوطنية أو لم تبرم العقود الاجتماعية بشكلها الصحيح، وتطرقت في حديثها إلى أهمية إدارة التنوع الثقافي والذي يعتبر جوهر المشكلة في المجتمع فلا يمكن بناء ثقافة التنوع إلا بناء على الدساتير والعقود الاجتماعية المبرمة، ويفترض أن تكون إدارة الدولة بكافة مكوناتها الثقافية والتعليمية والاجتماعية مستندة إلى استراتيجيات تعتمد على الدستور الوطني، وبالتالي لا قيمة لأي كلام عن إدارة التنوع ما لم تكن فيه الجماعات المختلفة على قدم مساواة فيما يتعلق بكافة مظاهر حياتها.
أما د. كريم أبو حلاوة فتحدث حول “ثقافة الفكر النقدي” قائلاً: “من يعود إلى التاريخ البشري يكتشف أن البشرية مرت بمراحل متعددة على المستوى الفكري مبتدئاً بمرحلة الفكر الأسطوري ومحاولته للتصدي للأسئلة الكبرى حول الوجود والله، ثم مرحلة الفكر الخرافي والغيبي حيث حلم البشر بعالم يشبههم في محاولة لفهم الدنيا، ومن ثم المرحلة الثالثة الفكر العلمي”. إن تاريخ الفلسفة النقدية قصير ومن إحدى المشكلات التي تواجه انتشار الفكر النقدي هي التعصب الذي يعرّفه د. أبو حلاوة بأنه الاعتقاد بأن ما يعرفه المرء هو الصحيح والحقيقي، وأن كل ما عداه أو سواه هو خاطئ، فنحن جزء من مجتمع متعدد الانتماءات والأديان والمذاهب وهذه الحيثية قد تشكل نقطة ضعف أو نقطة قوة، والأمر يعود إلى إدارة التنوع والاختلاف، فالإدارة الرشيدة تحوله إلى عنصر فعال ورافعة، والإدارة المرتبكة والخاطئة تجعل منه مشكلة قابلة للانفجار.
وجاءت مداخلة د. توفيق داوود تحت عنوان: “صيانة الكلية الاجتماعية” أوضح فيها أن هناك أربع عمليات تحكم الأنشطة الإنسانية التي تتحرك وفقها المجتمعات، العملية الأولى هي أن البشر لا يمكن أن يعيشوا من دون تعاون، والعملية الثانية أنه لا بد للبشر أن يتبادلوا المصالح والمنافع، والثالثة أن يتنافس البشر، فإذا انعدمت المنافسة انعدمت الحياة، أما العملية الرابعة فهي الصراع الذي يأتي نتيجة العمليات الثلاث السابقة، مبيناً أن مجتمعنا هو مجتمع الأزمة والحرب الدامية التي آلمتنا وتركت فينا آثارها، وقد تم قراءة مجتمعاتنا من أجل صيانتها والحفاظ عليها واستمراريتها، ووصف د. داوود هذه القراءات بأنها افتقدت إلى الموضوعية العلمية والمنهجية النقدية فيضيف: “كانت القراءة الأولى غربية استشراقية لم تهدف إلا إلى جمع أكبر كم من المعطيات حول بنيتنا السيكولوجية ومكوناتنا الذهنية والسيسولوجية، فجاءت هذه القراءة استعمارية غايتها أن نبقى على ما نحن عليه ولم تكن في صالح مجتمعاتنا على الإطلاق.
أما القراءة الثانية فكانت عربية وأتت في إطار التبعية للمجتمعات الأوروبية في أن نماثل وننقل التجربة الغربية لمجتمعاتنا كي نحافظ على هذه المجتمعات، والقراءة الثالثة سلفية أحادية الجانب لا تعترف على وجه الإطلاق إلا بلون واحد وبفكر واحد وبأيديولوجية متعصبة ترفض الآخر، وركزت القراءة الأخيرة على القومية التي أرادت أن تحيّد أهم مكون من مكونات الحفاظ على المجتمع “الديمقراطية” فكانت من نتائج هذا التأجيل خسارات عديدة منها الدولة الوطنية والمواطنة والهوية، وأيضاً عودة السلفية التي وجدت مكاناً وبيئة صالحة لاحتضانها.
علا أحمد