كافيار وسيكار؟
رغم كل الظروف التي مر بها البلد والحالة المعيشية والاقتصادية الصعبة، إلا أن البعض واظب على ممارسة الرفاهية بشتى صورها وأشكالها، فلم ينقطع الكافيار من على الموائد، ولم تغب رائحة السيكار الفاخر من الجلسات الخاصة أو تلك المدرجة ضمن الشراكة مع رجال الأعمال، هذا عدا عن الكثير من المستوردات التي تعج بها مكاتب المسؤولين والمتنفذين من سويات ودرجات مختلفة، ولعل السؤال الأهم، وهنا ونعتقد أنه “مربط الفرس” كما يقولون لجلسة الحكومة الخاصة بمحاربة مكامن ومفاصل الخلل والفساد سواء في الأشخاص أم في الإدارات.. كيف توائم المكاتب المسؤولة بين نفقاتها العالية ودخلها الوظيفي الخاضع لمواد قانون العاملين الأساسي (50) والذي يضع الجميع مقارنة بالوضع الاقتصادي والمعيشي العام تحت سقف التقشف والعيش على الكفاف الذي توفره القيمة الفعلية للراتب.
هنا نقف وننظر بتردد المراقب لمجريات ومستجدات نيات الحكومة لمحاربة الفساد والحالة هنا ليست فريدة بما يخص هيئة مكافحة الفساد التي بقيت بسجلها النظيف عاطلة عن العمل رغم محاولة دعمها بقانون الكسب غير المشروع، فقد تم تبني النهج ذاته عندما اعتمدت آلية مراقبة فعالة لمنع الاحتكار والبحث عن الدور المفقود للهيئة العامة للمنافسة ومنع الاحتكار وإيجاد قاعدة بيانات ومرصد لرصد تطورات أسعار السلع الأساسية والحد من تفرد بعض الأسماء بالتجارة الخارجية وغيرها من المقترحات التي تثبت تعطل وشلل دور الجهات الرقابية المستحدثة وانضمامها لجوقة خيبات الأمل، وبدلاً من دعم القرارات الجريئة التي تخدم الواقع وتؤازر الحياة العامة وتتخطى مرحلة التشخيص نجدها تراوح في نقطة البداية بحيث لا تنال من اسمها أي رصيد.
واليوم مع احتدام معركة الواقع المعيشي وانكسار معادلة الرواتب أمام فورة الأسعار العاصفة بالأسواق والتي أطاحت بكل التوقعات المبشرة بزيادة الرواتب ونسبها المئوية التي فقدت قيمتها النقدية في فوضى الحياة المعيشية هناك خوف من أن يسير العمل على سكة المقارنات الخلبية واقتراح الوصفات والخطوات العلاجية المستنسخة آلاف المرات.. وباختصار لم تروِ القرارات المصنفة تحت بند تحسين الواقع المعيشي ومكافحة الفساد حتى هذه اللحظة ظمأ الناس، بل على العكس أضافت حالة من القلق أو بشكل أدق الهلع الذي ينتاب الشارع عند أي تصريح مسؤول من عيار الدعم وتخفيض الأسعار وملاحقة المخالفين وغيرها من الأحاديث “الكرارة” الجوفاء التي لا يسمع إلا رنين صداها الإعلامي الصاخب. وطبعاً هذه الخلاصة ليس فيها أي تجنٍ كونها مستنبطة من واقع الحياة وحال الناس الذين يؤكدون أن الفريق الحكومي فقد مصداقيته نتيجة اتباعه أسلوب الدعاية المضللة وسيطرة الارتجالية على غالبية قراراته التي تتطابق في سياستها وجدواها المعيشية مع ذاك المثل القائل “أخذوه على البحر ورجعوه عطشان” .
ولاشك أننا لا نسعى لإدانة صانع القرار بالضعف والتقصير وعدم القدرة على المواكبة المعيشية، بل نحاول مساعدته للشفاء من أحلام اليقظة وستر عورة قراراته المفضوحة بسياسة “الضحك على اللحى” والتي تقمعها وبشدة على سبيل المثال حالة التمرد المستوطنة في الأسواق تحت عنوان كبير “الفساد” الذي لا يمكن لجمه مع استمرار الحلول المجتزأة. والغريب أنه حتى هذه اللحظة يتم تجاهل الأولويات كتخفيض أسعار المازوت لما له من دور في قلب المعادلة المعيشية لصالح الناس وعلى جميع الأصعدة.
وللأسف هناك العديد من القضايا التي طغى ضجيج حلولها الإعلامية على حقيقة تجذرها في قلب المعادلة المعيشية للمواطن الذي يشتم رائحة السيكار والكافيار كما يشتم رائحة الزيادة وعلى مبدأ (شم ولا تذق).
بشير فرزان