مع استكمال الخطط تكامل في الموارد والجهود والمبادرات الوطنية استعداداً للبدء بإعادة الإعمار.. وتسارع في إجراءات التنفيذ
سنوات كثيرة انتظرها السوريون بفارغ الصبر لانتهاء الأزمة، والدخول بهذه المرحلة التي طال انتظارها “إعادة الإعمار”، والتي رسمت جميع المؤسسات ودوائر الدولة والمنشآت خططها استعداداً للدخول بها، وممارسة دورهم وفق الإمكانيات والموارد المتاحة لديهم، إذ تتطلب هذه المرحلة تكاتف الجهود بين جميع فئات المجتمع، ولعل الدور الأكبر يقع على كاهل المنظمات الشعبية التي لم تدخر جهداً خلال سنوات الأزمة في الوقوف صفاً واحداً مع جميع مكونات المجتمع السوري لمواجهة تأثيرات الحرب على سورية، والتصدي لها رغم إمكانياتها المتواضعة آنذاك، واليوم، ومع دخولنا في مرحلة إعادة الإعمار، بدأت النقابات بالانتقال من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ على أرض الواقع، وغسل آثار الحرب عن بلدنا، والنهوض به إلى ما كان عليه قبل الأزمة.
تطوير الكود الهندسي
ونظراً للدور الهام لنقابة المهندسين في تنظيم مهنة الهندسة، والارتقاء بالعمل الهندسي، وبناء قدرات المهندسين لمواكبة المرحلة المقبلة، كان لنا لقاء مع المهندس غياث القطيني “نقيب المهندسين” الذي لخص المشاريع التي أعدتها النقابة لهذه المرحلة، حيث تم تشكيل فريق عمل من أعضاء مجلس النقابة، وإدارة خزانة تقاعد المهندسين لإعادة النظر في التشريعات التي تعمل بموجبها النقابة للقيام بدور فاعل في مرحلة إعادة الإعمار، وفيما يتعلق بتأهيل الكوادر الهندسية فقد قامت النقابة بإعداد نظام خاص بالتدريب والتأهيل يتم من خلاله إخضاع المهندسين لدورات علمية متخصصة في مجالات الهندسة بمختلف اختصاصاتها تمهيداً للاستعانة بهم، وأخذ دورهم في المرحلة الراهنة لإعادة الإعمار، كما قامت النقابة بتطوير الكود العربي السوري الهندسي، إضافة إلى عدد من الملاحق باختصاصات متعددة، وتستمر النقابة في إعداد تطوير الملاحق للكودات، وإعداد الأدلة الاسترشادية اللازمة لقيام المهندسين بتوصيف المباني المهدمة، وإعداد الكشوف اللازمة، وتقدير الحالة الفنية لها، وذلك بالتنسيق مع وزارة الأشغال العامة والإسكان، وبعض برامج المنظمات الدولية العامة بالقطر، وأضاف القطيني بأنه تم تأهيل وتشكيل فرق عمل للمعاينة والكشف وتقديم الاستشارة للمواطن في الموقع المتضرر، وكذلك تبادل الخبرات مع الدول الصديقة في القطاع العمراني والهندسي، وإقامة ورش العمل بما يخدم عملية إعادة البناء والإنتاج في سورية، وكذلك وضع برنامج وطني شامل لإعادة البناء والإعمار في سورية تتكامل فيه جميع الموارد والجهود والمبادرات الوطنية على المستوى الحكومي، والاتحادات، والمنظمات النقابية، ومؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، ويوضح المهام المنوطة بكل منظمة أو مؤسسة.
قرى تراثية
أدوار كثيرة ومهام متنوعة منوطة بعمل الاتحاد العام للحرفيين في المرحلة القادمة، حيث وضع اتحاد الحرفيين خطة لإعادة الإعمار تشمل تطوير آلية وهيكلية المنظمة، حيث أكد ناجي الحضوة رئيس الاتحاد العام للحرفيين على أهمية المرحلة القادمة، لذا سيتم تأسيس معهد لتأهيل الكوادر الحرفية والقيادية تأهيلاً وطنياً وتنظيمياً ليكونوا قادة أكفاء في المرحلة القادمة، ومن خلال ذلك يتم العمل على تطوير المفاهيم الإنتاجية لحاجة السوق ليتمكن الحرفي من مواكبة عملية التطوير التقني والفني للحرفة سعياً لخلق جيل حرفي منتج ذي مفاهيم وطنية يواكب السوق المحلية والخارجية، ويعنى بالجودة، والنوعية، والذوق الرفيع، والمفاهيم التي تمكنه من المنافسة، كذلك يسعى الاتحاد للحصول على مواقع ومقرات في مختلف المحافظات لإقامة حاضنات حرفية تهتم برعاية الحرف التقليدية والتراثية والآيلة للانقراض، خاصة الحرف التي تحمل الهوية السورية، وكذلك تدريب وتأهيل حرفيين جدد من جيل الشباب، ومن جرحى الأعمال الإرهابية لنشر هذا النوع من الإنتاج الحرفي، ما يمهد لرفد سوق العمل بحرفيين جدد، ويعمل الاتحاد على تفعيل وتطوير البيت التجاري، والسعي لإعداد تشريعات تسهل من خلاله عملية تصدير المنتج الحرفي، واستيراد المواد الأولية الضرورية لعملية الإنتاج، وتشجيع عملية المنافسة الشريفة بين الحرفيين للحصول على منتج يتمتع بالمواصفات العالمية، ومنافس لها في الأسواق الخارجية، ويسعى الاتحاد لدى الحكومة لمثيل المنظمة في كافة الهيئات الخاصة بعملية إعادة الإعمار نظراً لدوره الفعال الذي يتميز به المنتج الحرفي من خلال منتجاته التي تدخل فعلياً في عملية إعادة الإعمار مثل “صنع البلوك، والقساطل، والبلاط، وقص الرخام، وصنع المنجور الخشبي، ومنجور الألمنيوم والحديد، وإنتاج المقالع من الرمل والحصى”، ومن جملة الخطط التي يسعى الاتحاد لتنفيذها الحصول على أراض من أملاك الدولة لإقامة قرية تراثية في كل محافظة لاحتواء المعروضات الحرفية والتراثية، والعمل على إعفاء المنتجات الحرفية والمواد الأولية التي تدخل في عملية الإنتاج من كافة رسوم الاستيراد والتصدير.
إشكالات
إن نقابة المقاولين من أهم قواعد إعمار سورية في المرحلة القادمة من خلال الإمكانيات الكبيرة التي تملكها، والتي هي ركيزة العمل المقبل في ترميم ما دمره الإرهاب، وتفعيل البنى التحتية، وغيرها، حسب ما أكده لنا محمد رمضان “نقيب المقاولين، ويسعى المقاولون دائماً لخلق آلية عمل جديدة من خلال التشاركية مع القطاع العام في سبيل إعادة هيكلية الوطن من جديد، وأكد رمضان على ضرورة إيجاد حل للمشاكل والإشكالات التي تواجه عمل المقاولين كي يستطيعوا المشاركة الفعلية في إعادة الإعمار من خلال عدم فسخ العقود المتعثرة، والكفالات التي تطالب بها المصارف الصناعية لمشاريع متوقفة، وكذلك استخدام الطاقات البديلة، والاستثمار في المقاولات والأوراق المالية، وتبسيط الإجراءات، واللامركزية، وإلغاء الروتين، وزيادة الاعتماد على معايير التدقيق والمحاسبة، والحد من الحواجز التجارية والجمركية، ودعم الواقع الإنشائي بمختلف اتجاهاته، واعتبر رمضان النقابة هي المعنية بالدرجة الأولى بإعادة الإعمار كونها تملك إمكانات هائلة تؤهلها كي تكون في المقدمة من خلال عدد المقاولين، والآليات، والخبرة المتواجدة منذ سنوات.
تحديات كبيرة
يجد الخبير الاقتصادي محمد كوسا أن إعادة الإعمار تحتاج في ظل الواقع الذي نعيشه إلى جهد وعمل دؤوب بمعدلات أداء مرتفعة، حيث هناك الملايين من الناس يحتاجون لمساكن، ودواء، وغذاء، ومواد أخرى يحتاج بناؤها وإنتاجها وتوفيرها لمؤسسات عمل متشابكة في اختصاصاتها وأهدافها، وهنا تتراجع الخطط الاستراتيجية طويلة الأمد، وتتقدم الأفضلية إلى الأعمال والإجراءات الفورية والسريعة لمواجهة ومعالجة مفرزات الأزمة، ومنع التأثيرات السلبية في حال تراكمها لفترة طويلة، وبالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه مرحلة إعادة الإعمار، يبقى التحدي الأكبر في تأمين التمويل الذي هو العملية الأساسية لإعادة الإعمار، سواء من خلال الاعتماد على المصادر المحلية، أو اللجوء إلى المصادر الخارجية، ولكل منها إيجابياتها وسلبياتها، وعادة ما تسلك الدول أحد طريقين، أو تزاوج بينهما، فالمصادر الخارجية تكون من خلال اللجوء إلى الاقتراض من الدول والمؤسسات المالية الصديقة، وبالرغم من إيجابيات توفر السيولة التي تساعد على السرعة في إنجاز الأعمال، هناك مساوئ تتعلق برفع نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي، وإضافة عبء مالي كبير على الموازنة العامة للدولة، ما يعيق التنمية فيها لعقود قادمة، أما مساوئ الاقتراض فهي أنه غالباً ما تفرض هذه المؤسسات على الدول المقترضة شروطاً اقتصادية صعبة، أما المصادر الداخلية فتكون من خلال الاعتماد على الموارد المحلية لتأمين الأموال، وهذا يحتاج لطرق فعالة لتعبئة مدخرات السوريين في داخل وخارج سورية، وإعادة هيكلة الإيرادات العامة، ولاسيما النظام الضريبي، وترشيد الدعم، ومحاربة التهرب الضريبي، وفرض نوع من الرسوم الخاصة بعملية الإعمار، ومثل هذه الإجراءات تحتاج إلى وقت طويل، وكفاءة عالية، دون أن تؤثر في معيشة المواطنين بشكل كبير.
ميس بركات