من أولويات هيئة الأوراق والأسواق المالية اقتصار الأوعية الاستثمارية على “الإيداع” وشراء “الأسهم” يضغط باتجاه إحداث صناديق استثمارية
برسم الحكومة.. أين الجهات الحكومية من صناديق الاستثمار..؟! هذه الصناديق أوعية ادخارية وتنموية وطنية، وتجميع للمكتنزات العقيمة الصغيرة، وتمويل مجاني من دون فوائد لمشاريع استراتيجية، وترشيد الاستهلاك وعقلنة الاستثمار..إلخ.
كلها عناوين للموضوع الذي طرحناه على الدكتور عابد فضلية رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، للإدلاء بدلوه حول “صناديق الاستثمار العقاري خاصة والصناديق الاستثمارية عامة”..وللأمانة تلك العناوين ليست لنا، وإنما للدكتور فضلية الذي استخلصها بناء على ما طرحناه حول إحداث صندوق للاستثمار العقاري، فقد رأى فضلية أن هذا الموضوع هام جداً – على حد تعبيره – مبيناً بالمقابل أن الاهتمام الحكومي وغير الحكومي به ضعيف جداً..! ونظراً لأهميته الكبرى لفت إلى أوجوب أن تتكرر عناوين صحفية وإعلامية بهذا الصدد..
انخفاض التكلفة
تمثل طرحنا –باختصار- بأن صناديق الاستثمار العقاري متاحة للجمهور، ويتم تداول أسهمها في السوق المالية وتُعرف عالمياً بمصطلح “ريت أو ريتس”، وتهدف إلى تسهيل الاستثمار في قطاع العقارات المطورة والجاهزة للاستخدام التي تدر دخلاً دورياً وتأجيرياً. ومما تتميز به الصناديق العقارية الاستثمارية المتداولة، انخفاض تكلفة الاستثمار فيها مقارنة بصناديق الاستثمار الأخرى، وفوقها التزامها بتوزيع 90% من صافي أرباحها دورياً (سنوياً) كحد أدنى، كما يمكن لهذه الصناديق الاستثمار محلياً وإقليمياً وعالمياً، بشرط ألا يزيد إجمالي قيمة أصول الصندوق من العقارات خارج الدولة عن نسبة محددة (مثلاً 25%)، وذلك وفقاً لسياسات واضحة ومحددة من قبل هيئة السوق المالية.
تلقف
أما أسئلتنا التي وضعناها أمانة بين يدي رئيس المجلس، وكان أهلاً لها من حيث تلقفها والاهتمام بها وسرعة التجاوب المقدر معها، والدليل فيما أدلى به وقدمه من إجابات نجزم أن فيها الكثير من الدلالات والرسائل، والأسئلة الخلاصة التي ختمنا بها ما تقدم هي: إلى إي مدى يمكن إنشاء مثل تلك الصناديق في سورية..؟ وهل يمكن أن يكون هناك صناديق للاستثمار العقاري مدرجة ببورصة دمشق..؟ ويكون مجال نشاطها وتشغيل أموالها، إما بالاستثمار المباشر (كشركات مساهمة) في المشاريع العقارية، وإما المشاركة في تمويل تلك المشاريع والشركات المرخصة في هذا المجال..؟
وهل لدى الهيئة أو السوق أية دراسة حول هذه الصناديق، وبالتالي الترويج لتأسيس مثلها..؟ خاصة أن مرحلة إعادة الإعمار تحتاج لكتل مالية كبيرة، وفي الوقت نفسه تتيح مثل تلك الصناديق لأصحاب المدخرات توظيف واستثمار مدخراتهم عبر قنوات في سوق أوراقنا المالية..؟
لا وجود لها
وأكد فضلة أنه لا يوجد في سورية حتى الآن صناديق استثمار عقاري ولا غير عقاري، رغم أن بعض القوانين والتشريعات المالية والاستثمارية النافذة تسمح بتأسيس ما يُشبه هذه الصناديق، ورغم أنه لا توجد من حيث المبدأ أية اعتراضات أو موانع فنية أو تحفظات لدى أية جهة تحول دون ذلك، وبالتالي فليس أمام المدخرات الفردية والعائلية السورية سوى نوعين أساسيين من الأقنية أو الأوعية الاستثمارية، هما (الإيداع الآجل) في المصارف، و(شراء الأسهم) في الشركات المساهمة العامة المدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية (البورصة).
رئيس مجلس المفوضية أوضح أن الأمر لا يقتصر فقط على عدم وجود مثل تلك الصناديق، بل إن هناك ما يسمى (صناديق سيادية) موجودة في الكثير من دول العالم، غير موجودة لدينا بعد، تتشارك في تأسيسها مصارف وجهات حكومية مع جهات غير حكومية من مصارف ومؤسسات وأفراد؛ لذلك بدأت العديد من الطروحات تتردد بين الحين والآخر في سورية لإنشاء مثل هذه الصناديق، ولاسيما عند الحديث عن تحديات تمويل عملية إعادة الإعمار.
الجهة المخولة
وكشف عن أن من أهم الجهات التي تسمح لها تشريعاتها بإنشاء (صناديق استثمار) هي (سوق دمشق للأوراق المالية)، والتي تُجيز أحكام الفصل السادس من قانون إحداثها رقم 55 لعام 2006، إنشاء صناديق تهدف إلى استثمار مدخرات، ولكن (في الأوراق المالية حصراً)، ولاسيما أسهم الشركات المساهمة السورية وأدوات الدين القابلة للتداول التي تُصدرها هذه الشركات، وأدوات الدين العام الحكومية القابلة للتداول، والوحدات الاستثمارية الصادرة عن صناديق وشركات الاستثمار.
ماهية
أما عن ماهية تلك الصناديق فقال: يتخذ كل (صندوق استثمار) شكل شركة مساهمة عامة برأس مال نقدي مدفوع بالكامل لا يقل عن خمسين مليون ليرة سورية، ويُصدر الصندوق مقابل هذه الأموال أوراقاً مالية تُسمى (وحدات استثمار)، وهي بمثابة أسهم يتم الاكتتاب بها عن طريق المصارف المرخص لها بذلك، ولا يجوز للمؤسسين المكتتبين تداول هذه الوحدات أو الأسهم قبل مضي ثلاث سنوات من بدء عمل الصندوق.
وبالتالي فإن هذا الصندوق هو عبارة عن (وعاء) استثماري يهدف إلى إتاحة الفرصة للمدخرين أو المستثمرين الأفراد للمشاركة جماعياً بالاستثمار في الأوراق المالية، وله نظام أساسي خاص به صادر عن مجلس الوزراء بالقرار رقم (11679/ م. د) تاريخ (16/08/2011)، يُحدد ضوابط وقواعد وشروط استثمار أمواله، وتتولى مجلس إدارة الشركة المساهمة المُحدِثة للصندوق إدارة نشاطه وتحديد طريقة توزيع الأرباح السنوية على مالكي الوحدات، ويُعين للصندوق شخص اعتباري كمدير للاستثمار، ويُشرف على عمله شخص اعتباري آخر كأمين للاستثمار.
إن تم..!؟
وختاماً خلص فضيلة إلى أن إحداث صناديق استثمارية يُعد من الأولويات التي تسعى إليها هيئة الأوراق والأسواق المالية وسوق دمشق للأوراق المالية، إلا أن الحرب وتداعياتها -كما الأمر على مختلف الأصعدة في القطر- قد أخّرت هذا المشروع، وفي هذا الإطار لا بد من التنويه إلى أن إنشاء صناديق للاستثمار بالأوراق المالية فقط قد لا يكون بمستوى أهمية إنشاء صناديق استثمار متنوعة الأغراض لتمويل مشروعات صناعية أو عقارية، إلا أن إنشاء صناديق استثمار بالأوراق المالية هي بداية جيدة وإيجابية، ونتوقع أن تكون مثالاً مجدياً يُحتذى به، وخاصةً إن تم تعديل الأحكام القانونية لإحداثها، ليمتد نشاطها إلى أنشطة استثمارية تنموية أخرى أبعد من تداول الأسهم.
آن الأوان..
وفي كل الأحوال، جاء الوقت المناسب وآن الأوان للجهات الحكومية ولأصحاب القرار وللفعاليات والمؤسسات المالية والاستثمارية، أن تخوض في أقنية الصناديق الاستثمارية، كونها قليلة المخاطر ووسيلة فاعلة للتمويل المجاني، ولأنها بالتالي واسطة لتجميع الكثير من المكتنزات والمدخرات العائلية الصغيرة لإنشاء الكثير من المشاريع الاستثمارية التنموية الكبيرة.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com