فاجعةٌ مدينيّة..!؟
إذا ما تملّكتنا الرّغبة يوماً في التّعرف على فواجع حقيقيّة في هندسة المدن، والطّرق، والسّلامة المروريّة؛ ما علينا إلا أن نيمّم وجهنا شطر العاصمة..!
إذ لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا: إنّ شوارعها الفرعيّة منها والرئيسيّة وأرصفتها جميعاً؛ باتت مرآباً عشوائيّاً كبيراً معلناً للسّيارات بشتى صنوفها، بينما تغصّ الطّرقات والمحاور الرئيسية المؤدّية إليها بأرتال وطوابير من الحديد المتحرك؛ تكاد تبدو متصلة لشدّة غزارتها.
فمقاربة سوء الحال المروري في دمشق بلوحته القاتمة التي تنوء تحت وطأة دخان الازدحام والاكتظاظ، وشُحّار الاختناقات المروريّة الأسود؛ تستدعي دونما تلكّؤ مساءلة النّسق الأول في وزارتي الإدارة المحليّة، والنّقل، المعنيّتين بهذه الفوضى العارمة، وهذي البنية التّحتية الشّوهاء، واللّتين تنمّ عطالة أدائهما في هذا المضمار؛ إمّا عن استسلام للواقع الرّاهن ناجمٍ عن عجز في اجتراح الحلول المناسبة، أو عن فسادٍ، وإهمالٍ، وتسيّبٍ؛ طبع أداء هذا النّسق في الوزارتين، فضلاً عن مجالس المدينة المتعاقبة على مدى ثلاثين عاماً، وأدّى إلى ما نشاهد من فاجعة، ألف بائها: انعدام حقّ المشاة كليّاً في طرقها واحتلال الأرصفة من قبل السيّارات المركونة على يمين الطرق، والشّوارع، والجادات، والحارات، وأرصفة الحدائق- إن وجدت- وبالكأد يتدفّق السّير المختنق من عنق الزّجاجة.
استسلامٌ وعجزٌ يحيلاننا إلى ذاكرة غير مثقوبة؛ تطفو على سطحها صور النّدوات وورشات العمل التي أقامتها كلتا الوزارتين لفرق أوروبية -قبيل الأزمة- على غرار “mam” التي أمضى فريقها نحو عامين في مدننا بحثاً عن الحل المروري الشامل؛ القائم على إعادة هيكلة الشبكة الطرقيّة داخل المدن، ومواءمة الحركة المرورية فيها مع الطاقة الاستيعابية لهذه الشبكة؛ عبر تخفيف التّدفق فيها وفق خرائط متكاملة، تلحظ الأولويات ولا تهمل الواقع الديمغرافي والخصوصيّة الوظيفية المكانيّة. ولكن – وبكل أسف- لم نرَ أيّاً من هذه الدراسات يشقّ طريقه إلى النور.!؟
أمّا الطّامة الكبرى فتكمن في تسلّل الذّرائعيّة إلى الكثير من مجالس مدننا الأخرى التي أخذت تعتمد الواقع الدمشقي معياراً أو زئبقاً في موازينها للقياس به، تقليلاً من شأن ما تعانيه مراكزها من اختناقات. على الرغم مما حفلت به محاضر جلسات هذه المجالس من وعود مخمليّة بتشييد مرائب طابقيّة، وطابقيّة تحت أرضيّة في الساحات والحدائق وغيرها من الأماكن المتاحة فنيّاً لاستيعاب أكبر قدر ممكن من المركبات، على التوازي مع الوعود الأخرى بتنظيم مهنة مكاتب الـ”راديو تاكسي” التي عدّها بعض المتخصّصين فتحاً مروريّاً وخطوة بالغة الأهميّة في إطار الحلّ المروري الشامل؛ باعتبار أنّها ستحدّ من الحركة العشوائية لسيارات الأجرة صغيرة الحجم، كثيرة العدد، وتقنّنها بشكل مدروس بما يلبّي حاجة المواطنين إليها من خلال نظام استثمار قائم على دارة لاسلكيّة على جانب كبير من السلاسة والمرونة.
وعودٌ لم تعْدُ حتى الآن كونها مجرّد وعود؛ أو عناوين تزيينيّة وشعارات عمل برّاقة؛ تضع وزارتي الإدارة المحليّة والنّقل في مرآب السّؤال: متى ستشقّ هذي الوعود والدّراسات طريقها إلى النّور لتخفيف هذه الفاجعة؟ وهلاّ انتهينا من حال تسييل الأحبار في الدّراسات والخرائط وإغداق الوعود وبيع الأوهام؛ إلى تسييل الموازنات في ميادين الخدمات وتحقيق أدنى شروط المدينيّة؟!
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com0