الربيع الحلم
سلوى عباس
بلحظة غير منتظرة، تغيّر لون العالم واندفع في روحها ضياؤه السَّني، فخفق الفؤاد للقائه كثيراً، تلك كانت حالها حين اعترف لها بحبه وطلب أن تعطيه فرصة ليتعرفا على بعضهما أكثر، فكان فضولها الأنثوي أقوى من أن ترفض طلبه، ولازمها طيفه طويلاً بانتظار أن تتيح لهما الظروف الارتباط، ورأته كما قدّم نفسه لها حلماً لأي فتاة، وكم تمنّت بينها وبين نفسها أن يكون هو الحلم الذي تنتظره.
استمرت الصبيّة في حلمها والأسئلة تلحّ عليها كيف ستسير الأمور؟ وهل ستستمر علاقتهما لكن دون إجابات، وكان أن غاب مدة، ثم عاد بعد فترة ليكلّمها، فعاتبته عل الغياب، لكنه قدم لها مبرراته التي رغبت أن تصدقها، ثم عاود الغياب مدة لا بأس بها، فوقعت أسيرة الشك والريبة من هذه الحالة دون أن تستطيع اتخاذ قرار تجاهه.
هذه الصبية كانت كما كل الصبايا تستمع لتنبؤات الفلكيين الذين أجمع غالبتهم على أنها غير محظوظة هذا العام، فقررت أن تعتمد مقولة “كذب المنجمون ولو صدقوا” وتتحداهم من خلال هذا الشاب “الحلم” وتثبت أنها حظيت بالسعادة مع شخص سيكون سيد حياتها وقلبها، لكن انتظارها طال، وعندما فتّشت عن الأسباب، لم تجد مبررات تقنعها بغيابه، مع أنه بقي يخاطبها في كل مرة تعلّق على كتاباته بأنها العزيزة والغالية ويؤكد لها أنه على الوعد، لكن وعوده كلها ذهبت في مهب الريح وابتعد دون أي سبب، لتجد نفسها وحيدة لاشيء يعطيها دفأه ولا زهرة تينع في دمها، وتبعثر حلمها على رصيف بارد، فاتخذت قرارها بالابتعاد عنه وخاطبته برسالة أخيرة دونتها على صفحته الزرقاء فقالت: كتبتُ لكَ ذات يومٍ وأنا بكامل قوايَ العقلية والقلبية شيئاً عن لقاء الروح الذي يسبق لقاء الجسد، اختصرتُه في أربع كلمات “التقينا قبل أن نلتقي” وسعدت حينها عندما وافقتني الرأي رغم إصراركَ على قراءتها: “عرفتك قبل أن أعرفك” وزدتَ حينها أن هناك تواصلا خفيا تهبه الروح لنا حتى في لحظات عدم تواصلنا، وبما أنني توقعت معرفتك مسبقاً، كما أشار لي لقاءنا الروحي فقد مضيت في رحلة هذا اللقاء السابق لأوانه بكل روح جميلة.
كانت اللحظة التي رأيتك فيها أول مرة كما لو أنها إثبات مطلق لصدق حدس الروح، كما لو أنها تأكيد على قراءتها الصحيحة لأرواح الآخرين، وكان ذلك فعلاً، فقد أثبتت لي روحي يومها أنني لم أكن على خطأ فيما بثثته لك من كلمات أربع اختصرت كل شيء.
هذا العالم الأزرق يا صديقي الذي اعتدنا دوما تسميته بالعالم الافتراضي، احتوى صداقتنا طويلا ما يزيد على الثلاث سنوات، هل شعرت بها؟.. لا أظن ذلك، لكن الملفت الآن أن العالم الحقيقي لم يستطع أن يحتوي هذه الصداقة لأقل من ثلاثة أشهر، فكيف سمحنا لأنفسنا أن نسميه عالماً حقيقياً، ونسمي الآخر افتراضياً؟ ألا يجدر بنا أن نعيد النظر في تسمياتنا؟ ربما نقع حينها على حقائق أكثر..! هل شعرتَ يا صديقي أن روحك كانت على خطأ في حدسها الأول؟.
وضعت نقطة في نهاية آخر سطر كتبته له، وبكبسة زر حذفته من صفحتها، حيث اكتشفت أن قصورها التي شيدتها وهي تحلم به قد تحطمت، لكنها لم تستسلم لضعفها بل عادت للحلم الذي رافق روحها قبل أن تعرفه، لتبدأ انتظاراً جديداً، يحملها إلى حلم يوقظ ربيعها المنتظر ويفرح قلبها بندى الحب الذي يستحقه.