اتفاق تاريخي لتقاسم النفوذ على بحر قزوين.. وإبعاد الوجود الأمريكي
بعد عشرين عاماً من المفاوضات حول تقاسم الثروات في البحر المغلق الأكبر في العالم، وقّع رؤساء كل من إيران وروسيا وتركمنستان وكازاخستان وأذربيجان، أمس، اتفاقاً تاريخياً يُحدد الوضع القانوني لبحر قزوين.
ويأتي الاتفاق في توقيت دولي حساس، إذ إن منافعه تساعد بعض الدول المشاركة فيه في تقليص تداعيات العقوبات الأميركية، ولذلك فإن الإجماع على وصف قمة أكتاو في كازاخستان بين الدول الخمس المطلة على بحر قزوين بالتاريخية من أبرز المؤشرات على أهميتها.
وينص الاتفاق، الذي بُدىء التفاوض بشأنه منذ عام 1996، على أن المنطقة الرئيسية لسطح مياه بحر قزوين ستبقى متاحة للاستخدام المشترك للأطراف، فيما ستقسّم الدول الطبقات السفلية وما تحت الأرض إلى أقسام متجاورة بالاتفاق فيما بينها على أساس القانون الدولي، بينما ستتم عمليات الشحن والصيد والبحث العلمي ووضع خطوط الأنابيب الرئيسية وفقاً للقواعد المتفق عليها بين الأطراف عند تنفيذ مشاريع بحرية واسعة النطاق.
وأوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الاتفاقية تضمن عدم وجود قوى غير إقليمية على البحر، كما دعا دول المنطقة إلى زيادة التعاون المنهجي في مكافحة الإرهاب وتوسيع عمل إدارات الحدود، وأضاف: إن روسيا مستعدة لتوسيع التعاون على الصعيد العسكري البحري مع دول بحر قزوين.
وأكد الرئيس الروسي أن هذه الوثيقة تضمن الوضع السلمي لبحر قزوين، واصفاً إياها بالنموذج الناجح للعمل المشترك في الظروف العالمية الصعبة، وأشار إلى أن الاتفاق يضمن حل المسائل الحيوية بالنسبة للمنطقة على أساس الإجماع، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح كل الأطراف المشاركة فيه.
من جانبه وصف الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف الاتفاق بأنه دستور لبحر قزوين سيضمن الأمن في المنطقة، وأضاف: “يعد هذا الاتفاق كدستور لبحر قزوين يهدف لتسوية كل مجموعة من المسائل المرتبطة بحقوق والتزامات دول حوض بحر قزوين، بالإضافة إلى أنه سيصبح ضماناً للأمن والاستقرار وازدهار المنطقة بأجملها”، وتابع: تمّ التوصل إلى اتفاق حول عقد اتفاق منفصل بشأن إجراءات الثقة المنسقة في مجال النشاط العسكري، وستسمح هذه الوثيقة بضمان توازن السلاح في بحر قزوين، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع الأطراف وتوحيد جهودنا الهادفة لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي”.
وأكد أيضاً أن دول بحر قزوين انطلقت عند إعداد هذا الاتفاق من مصالح ضمان الاستقرار السياسي وتنمية منطقة البحر والحفاظ على ثرواتها الطبيعية وزيادتها.
أما الرئيس الإيراني حسن روحاني، فأكد من جهته أن اتفاق قزوين لن يسمح بإقامة أية قاعدة أجنبية في البحر، وأن القمة تؤكّد أن الدول الأعضاء فقط تقرّر مصير بحر قزوين.
ورأى أن “الاتفاق يمنع وجود أي قاعدة أجنبية في بحر الخزر، ويمكن تعزيز التعاون بين الدول المطلة على بحر قزوين في مجالات السياحة ونقل المسافرين والطاقة وتعميم تجربة التعاون بيننا على كافة دول العالم، لكن سوف يتطلب ترسيم قاع بحر قزوين الغني بالنفط والغاز اتفاقيات إضافية بين الدول المتشاطئة”.
ووصف روحاني، وقبيل مغادرته طهران للمشاركة في القمة، “بالمهمة جداً” لكون الاتفاق الذي سيصدر عنها يُمنع تردد السفن العسكرية الأجنبية على البحر، وشدد على أن الاتفاق مهم جداً للأمن القومي للدول المطلة على البحر.
وكان الكرملين قد أعلن أن الاتفاق يبقي الجزء الأكبر من بحر قزوين منطقة تتقاسمها الدول الخمس، لكنه يوزّع الأعماق والثروات تحت البحر عليها، حيث يعد بحر قزوين البحر المغلق الأكبر في العالم.
هذا ويختزن بحر قزوين أكثر من تسعين مليار برميل من النفط في قاعه، إضافة إلى نحو 300 ألف مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي.
مخزون يعد مستقبل الثورة النفطية في العالم
من جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي: إن معاهدة الوضع القانوني لبحر قزوين لا تتناول قضية تقسيم البحر بين الدول كما يشير البعض، وأضاف: إن “بعض التوقّعات وما ينقل عن القمة ليست صحيحة مطلقاً؛ فالمعاهدة تُحدد الإطار العام للتعاون والمبادئ الرئيسية المتعلقة بالوضع القانوني لبحر قزوين”.
وأشار المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية إلى أن سواحل قزوين لها تعقيداتها الخاصة، وتحتاج إلى نقاش وبحث أكبر، آملاً التوصل في المستقبل إلى نتائج مطلوبة في هذا الخصوص، وأضاف: “من مكاسب هذه المعاهدة هي أنه لا يحق لأي بلد أجنبي الاستفادة عسكرياً ومدنياً من الملاحة في هذا البحر وإيجاد قواعد فيه”، وأردف قائلاً: إن المعاهدة تنصّ أيضاً على أن الدول الخمس لا يحق لها السماح لدولة أخرى بالاستفادة من البحر ومن أرضها وأجوائها كمنطلق لمهاجمة أحد من الدول المطلة على بحر قزوين.
ولاحقاً، غرّد وزير الخارجية محمد جواد ظريف، قائلاً: إن “اليوم هو يوم تضامن الدول المتشاطئة على بحر قزوين، اتفقنا على وضع قوانين للتعاون في مجال البيئة، الملاحة، صيد الأسماك، التنمية المستدامة، والأمن من دون التواجد العسكري الأجنبي، ومواصلة المحادثات الودية حول قضايا لم تحل بعد والمتعلّقة بترسيم الحدود وتقسيم البحر وموارده”.