الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

في معنى ” الفتْح”

 

عبد الكريم النّاعم

على أثَر نشري مقالة “الاستعمار والاحتلال”، المنشور في صحيفة “البعث” بتاريخ 7/8/2018 علّق أحد الأصدقاء على الفيسبوك مُثْنياً، وسائلا “ماذا نقول في فتْح الأندلس”؟، وأنا سأجيب استناداً إلى ماقرأته لمؤرّخين، وباحثين في تاريخ المنطقة العربيّة، لمؤلّفين عرباً وأجانب، ممّن أنصفوا تلك الحضارة التي ندعوها “الحضارة العربيّة الإسلاميّة، منطلقاً من انتمائي القومي العربي، الذي يأخذ بقول الرسول الأعظم” ليست العربيّة منكم بأمّ ولا بأب، بل العربيّة اللسان”، بعيدا عن أي تعصّب شوفينيّ، أو ادّعاءِ عرقيّ، بل انتماء لروح تلك الحضارة، التي قيل فيها “ماعرف العالم فاتحاً أرحم من العرب”، بهذا المعنى يكون فتْح ما نسمّيه الآن الوطن العربيّ فتْحا في حدود المساحة الحضاريّة التي تشمل كلّ أقطار الوطن العربيّ، فهو فتْح لها من حيث تخليصها من السلطة القيصريّة والكسرويّة، وفتْح لبقيّة البلدان التي وصلوا إليها، بمعنى حمل رسالة التوحيد، والعدالة، وهذا لا يتناقض مع أنّ حكّامها كان فيهم من الطغيان ما في غيرهم من أمم الأرض، فالبنيان المشيد المشهود له هو من إنتاج روح الأمّة لا من روح حكّامها، وأنا هنا أختصر بقدر ما يناسب المساحة المُتاحة لزاوية.

هذه الوحدة الحضاريّة للوطن العربيّ، منذ العصور القديمة، والتي كانت متشابهة، ومتقاربة الأزمنة بمعظم تطوّراتها الزراعيّة، والعمرانيّة، وبعض الملامح الدينيّة، والمشابهات الجذريّة اللغويّة، هي التي سهّلت للعرب الذين حملوا رسالة الإسلام المحمّديّ أن تكون فتوحاتهم في أزمنة قصيرة، وكان مدهشا أنّ فترة خمس وعشرين سنة وصل فيها العرب المسلمون إلى أقاصي المغرب، وإلى بلاد ما وراء النّهر كما كانت تُسمّى.

فقد كان الحراك على مستوى المنطقة العربيّة في مجال وطن واحد، كان مجزّأً ومُبعثراً، وهذا يفسّر فيما بعد كيف انحسر الإسلام عن الأندلس وغيرها، ولم تبق إلاّ بعض الآثار العمرانيّة، كما في الأندلس، واللغويّة كما في تبنّي الحرف العربي في بلاد فارس، وما وراء النّهر، وصولا إلى أفغانستان.

من هنا يمكننا القول أنّ ما دُعي بـ”الفتح العثماني” لبلاد العرب، هو في جوهره ليس فتْحاً، بل غزْواً، واحتلالا  تحت شعار رفع راية الإسلام، فقد نشروا التخلّف في بلاد العرب كلّها، والطائفيّة، والمذهبيّة، وحاربوا روح العروبة،وحوصر العنصر العربيّ في الجبال وفي الصحارى، وهي ما تُسمّى بمناطق الطّرد الاجتماعي، وامتدّت سنوات الظلام على مدى أربعة قرون، أُفقِرتْ الأمّة فيها، وسيطر عليها التخلّف، في جميع مناحي الحياة، لقد كانوا غزاة حقيقيّين هدفا ونتيجة، وهم أصلا ليسوا من أهل هذه البلاد، وكان أسوأ احتلال عرفته القرون السالفة، تعطّلت فيه فعاليّة الأمّة الحضاريّة، فشُغل الناس بالفقر والمرض والجوع والحروب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وعرفتْ من الأوبئة ما هو محفوظ في كتب التاريخ، وصارت الأميّة السِّمة الغالبة على الشرائح الاجتماعيّة، فانتشرت الخرافات، وعمّ الظلام وطمّ، على يد مَن لم يُعرف عنهم إلاّ اعتماد ” الخازوق!.

تلك مفاتيح عامّة في موضوع يحتاج لمجلّدات، أرجو أن أكون قد قدّمت فائدة فيه.

aaalnaem@gmail.com