على مرمى نظرة وله نشتاق
هو جزء منا، من ماضينا وحاضرنا، قبل أن يكون جزءا من الطبيعة، لطالما باركتنا ملوحة مائه قبل أن تباركنا عطايا السماء.
نعم كنا أبناء البحر بلا منازع وبلا شرك أو شريك، فبالرغم من كل السوء الذي يصب فيه من مياه آسنة للصرف الصحي لمدينة الحرف والأبجدية، ونفايات متعددة المصدر والأشكال، وما يخلفه الزوار، كان ومازال منتهى الحب والجمال، حيث كان مشاعاً ، متاحاً للجميع وليس ملك لفلان أو علتان.
على كتفه تتكئ محبوبة قلبه لاذقية الحياة، وهو بغير حضنها لا يهدأ له بال.. لم يوصد باب صدره الأزرق بوجه أحد، كان يبتلع في أفقه كل قصص وهموم وربما أفراح المحبين والمشتاقين والمتألمين، ومصدر رزق لمن ضاقت بهم سبل الحياة. موجاته شاهد عيان على عدم خذلانه يوما لقاصديه ومحبيه، كتبنا له أجمل القصائد والأغنيات، حتى أنّ حبنا للمحبوب بحجمه شبهناه (قد البحر وموجاته).. ومن الضيق كنا ننعته بالغدار(يااا بحر شو مفرق أحباب)
كان دائما وبلا موعد على أهبة الانتظار والاستقبال، لم يكن ينغص ذاك اللقاء سوى تلك الروائح والطفيليات والنفايات، ومع هذا كنا نتجاوز كل شيء كي لا نخسره ويخسرنا، ليبقى بحرنا لنا كما أرضنا وسماءنا لنا حرام على غيرنا.
مع مرور الوقت والمؤامرات علينا وعلى ذاك الأزرق الجميل، بدأ بساطه الرملي يسحب من تحت أجسادنا شيئا فشيئا.. لا أعلم بأي قلب وبأي حق يؤخذ منا شطنا..! من سرق بحرنا؟ ماذا سنجيب عندما تسأل هذه الأجيال؟!.
هل أُخذ رأيه قبل أن يصبح شطه على قيد أناس ليسوا من زماننا ولا من بيئتنا ولا يحملون ذات ثقافتنا، و لا هم لوجعنا..!
كيف ومن انتزع بساطة وطيبة بحرنا؟! ومن سلبنا طاقة فرجنا الوحيدة عند كل ضيق، وملاعب الفرح التي وهبها الله لأطفالنا بالمجان..؟!
جرد البحر من كرمه، من عفويته، جردناه نحن البشر من إنسانيته.. بتنا نحنّ لتلك الروائح والقاذورات التي كنا نعاني منها فقط يوما مشمسا ما.
لم يعد للفقير لا بحر ولا نهر ولا حتى ساقية تبلل روحه قبل قدميه في يوم حار وشاق.. لم يعد ينعم إلا بأمواج تأخذه وترميه على شط لا خير فيه في زمن عزّ فيه الهناء.. على مرمى نظرة وقلب منه، بتنا لبحرنا نشتاق..!
لينا أحمد نبيعة