ثقافةصحيفة البعث

أحوال قلب وطن

 

 

1
أكثر ضيما من ضراوة ثقل منجل اليأس حينما يدب صريره جسدٌ لفحته نيران ورياح.. أكثر جوعا من أزيز جندب البيادر حينما يصنع من صوت أمعائه نداء ويغني ترانيم القمح بصوت صداح.. أكثر هشيما من لهيب حطب أشعلته مآذن الأوجاع ونخرته عيدان الفتاوى بنصيب من الرماح.. أكثر من كل جادات الصراخ ذاك الأنين لوطن تعرى وارتدى وجهه الجراح.
2
يكذب الصبح في الوصف.. تحت ثقل المآسي توزع الدموع مؤونة في عيون الأقاحي وتمر اللحظات بيتا بيتا وقافية قافية بشراسة أنياب ومخالب الضياع.. تحت وقع الفاجعة يتدلى طرف زنار الاحتضار لتفاصيل الحدث وكأنك مقدم بأذرعك المفتوحة على المجهول بدهشة النهايات اللامنتهية، اللامعروفة اللهفة، المتشدقة بالانتماء لتفاصيل وطن، والامتنان دوما لجذور ارتباطك بترابه حاملا نقشه على ظهر استفساراتك، غير ناهض به من وداعك/ وداعه إلى مقبرة الآلام وعهر كابوسكما المباح.
لاحول ولا قوة لك بحيلة سوى تغذية الفضاء بالنحيب والتساؤلات التي بلا جدوى. تنسى وينسى كيف تريد ملامسة وجهه وترطيب جلد مصابه بماء الحب الرقراق، وكأنك غير قادر على مسك عنق الزمان وتحولاته الذي يتخبط بخطواتك وخطواته لتقل له قف عن دورانك الفضاح، فوق طاحون الموت الذي يعصف بزهر الحب ويهدر نيازك اللون ويعتم طهر براعمه النوار ويدمي الأقاح.
3
فاشل أنت في معاملة هذا النزيف في سعفة وطن وظن منك انك قادر على انتشاله لارتوائه بما يليق بهيبة تاريخه، بوقار حضوره واحتضاره في تحدي نصيبه من مكان يحتجز مساحته الشاسعة في صدرك، ويشرق نوره في سماء قلبك من الحنين والوفاء، مقترفا رواية الحب والهيام لتنهض به من غيبوبته وتشقق جدران عرشه التي حمتك دهرا وبنت لك بيوتات اللقاءات والأفراح.

4
منهزم أمامك وأمامه، تطرق أبواب أحزانه بكثير من الوجل، أحزان وطن صلب بخيانة أبنائه، سمّر على خشب مطامعهم، ودحرجت به رؤوس الحقيقة كل صباح.. لم تنصت النداءات المقطوعة اللهفة لاستغاثة مناجاته، لخلاصه من مذاق كاسات الدم التي امتلأت بقداس جلجلته على مذبحة الشتيمة وقبلة الخديعة، مقابل فلس الزناة ودراهم الطغاة.
شرك وكفر نصيبه لكل كتب تعاليم الحب الذين قادوه لمصير النزوح ومكائد الفضاءات في غزوها، مروجة لكل خبر شر وضفائر وجده على ظهر غيوم ورسائل سوداء، حاملة مراكب الانكفاء ضمنا عن بيارق الحق ورفعة اسمه وطنا طاهرا في أناشيده الغنّاء، فاسمه وطن يتسع حدود الفضاء أو أكثر، ملؤه شرايين المجرات أو أكثر ملكوته العشق وحبه القلب هو السلاح.

5
وطن تقرأ أنباءه في جريدة الصباح كل فجر بخطوط التوهم ولون احمرار العناوين، ينسل ألمه من بين ثقوب الكلمات واللحظات لتدق هي على صدرك، على أعصابك، عل شهامتك، على كل ناموس بك لينهض وتنهض له وبه وإليه، لتقلب الوهم الطاغي، وتزيل القدر الدامي لتجعله آية تتلى في شرائع الأوطان، ليصبح العزيز الجبار بك والمنتصر لحقه الرافع سلام مجده، الكاتب غيبه بحبر مفردات الضوء والنور، ناحرا ظلامه بمسك العنفوان، منشدا سلام عليك ولك ياوطن وعلى ألمك الذي دق ناقوس الروح وفتح للحقيقة منافذ، وصار اسمه وطن الشمس التي لاتموت، تنتمي لاسمه كل الأسماء.. أن يسألونك عن أحوال قلبه فتقول: إنه الأقوى من جحيم الأسئلة ونيران الضيم، فهو حب لا يستريح، اسمه وطني ونياشينه الصباح.
رشا الصالح