دراساتصحيفة البعث

الغموض يكتنف “الديمقراطية” الأمريكية

 

ترجمة: سمر سامي السمارة

عن فورين بوليسي 27/7/2018
يصف الخطاب العام الأمريكي الذي صاغه المسؤولون الرسميون ووسائل الإعلام، والمواطنون العاديون من جميع المشارب السياسية تقريباً الولايات المتحدة بالديمقراطية، إلا أن هذه الصفة غير صحيحة وهي كذلك منذ تأسيس الجمهورية. في الواقع يعرف الكثيرون ذلك لكن البعض الآخر لا يعرف، وقد أصبح سوء استخدام المصطلح بصورة غير اعتيادية يحمل تبعية سياسية منذ تشرين الثاني 2016.
قدّم كل من جيمس ماديسون وألكساندر هاملتون بشكل واضح ومباشر في مذكراتهما في 1787-1788 مقترحات لوضع الدستور، والإطار الجديد للنظام السياسي الأمريكي ضد النظام “الديمقراطي”. ويقصدان بذلك الممارسة المباشرة نسبياً للسلطة من قبل الرجال البيض في ثلاث عشرة ولاية. لقد أرادوا حكومة يقودها عدد صغير من الممثلين مثلهم ليكونوا مسؤولين عن صياغة القوانين، وكانوا يخشون من أنه إذا تمكّن الشعب من ممارسة سياسة السلطة فإنه سوف يهدّد حقوق الملكية ويتصرف بشكل عاطفي وليس عقلانياً، ويعتقدون أن الأغلبية في نظام ديمقراطي يمكن أن تسيطر على “فصائل الأقلية” ولا تسيطر على “فصائل الأغلبية”.
ولذلك، قام المؤسّسون بعرقلة النظام “الديمقراطي” بشتى الوسائل بسبب القلق من تحدي الديمقراطية للمصالح الراسخة مثل التفاوت في عدد السكان، وحجم المجتمعات الحديثة مقارنة مع أثينا القديمة التي كانت أولى أشكال الديمقراطية. ولذا تكون سلطة توزيع الحصص في مجلس الشيوخ على الولايات عوضاً عن توزيعها على السكان، وفي الهيئة الانتخابية يكون الدور المحوري للمحكمة العليا غير المنتخبة، ويتمّ استبعاد المرأة، والتسامح مع مسألتي العبودية والمواطنة من الدرجة الثانية للأمريكيين من أصل أفريقي حتى منتصف ستينيات القرن الماضي، على الرغم من أن هناك مميزات ديمقراطية لسلطة قضائية شبه مستقلة. ومع ذلك هناك خلل في محاولات غش ضمن الدوائر الانتخابية على مستوى الدولة، وكلها تشوّه الديمقراطية، (ذهبت أغلبية الأصوات الشعبية للديمقراطيين في مجلس النواب، وظل الجمهوريون يسيطرون على هذا المجلس).
وغالباً ما تكون اللغة السياسية غامضة ومضلّلة، فضلاً عن التمييز بين اليسار واليمين، حيث يمكن القول إن “الديمقراطية” ما هي إلا تقريب للنظام السياسي القائم عوضاً عن كونها لإثراء “الجمهورية”، ولكن هذا جزء من المشكلة، تحديداً، للمناشدة المؤثرة “للديمقراطية” المضلّلة أيضاً. وحتى إذا كنّا نشيد بمساحة الأراضي وعدد السكان ونعترف بالحاجة إلى ديمقراطية “تمثيلية” مقابل الديمقراطية “المباشرة”، فإن المهام “التمثيلية” في الولايات المتحدة لا تستوفي شروط الديمقراطية على نطاق واسع لدى شرائح المجتمع، حتى أنها في غالبية الأحيان تكون عقبة لها، هذا لأن مصالح الأقلية في المجتمع المدني قادرة على التلاعب في العملية السياسية لصالحها، ومعظمها عبر التوزيع غير المتكافئ للأموال والسلطة. والجدير بالذكر أنه منذ الحرب الأهلية فإن الخطر على ثروة الأمة لا يتأتى من “فصائل الأغلبية” بل من “فصائل الأقلية” القادرة على الاستيلاء على مقاليد السلطة السياسية الأمريكية.
لقد أصبحت عواقب إساءة استخدام “الديمقراطية” سمة لتصنيف النظام السياسي الأمريكي في وسائل الإعلام مؤخراً، فقد تمكن رجل واحد، مع “فصيل الأقلية” من الجمهور عامة والأغلبية “التمثيلية” في مجلس النواب ومجلس الشيوخ من الاستيلاء على مؤسسات الحكومة الأمريكية واستخدامها بطرق يجدها معظم الأمريكيين مثيرة للهلع. لكن ما من شيء يمكن فعله حيال ذلك، حتى بعد انتخابات تشرين الثاني، نظراً لانعدام الحياء والأنانية التي يبديها الرئيس الأمريكي الحالي. في أي نظام ديمقراطي جدير بهذا الاسم، حتى في النظام البرلماني، كان ينبغي طرد هذا الرجل، بيد أنه لا توجد هناك أية ضمانات بأنه سيغادر منصبه قبل عام 2020، ويتساءل المرء عن ضمان الانتخابات الأمريكية!!.
من المؤكد أن الولايات المتحدة بطرق عدة هي نظام ديمقراطي، في العديد من عاداتها الاجتماعية والثقافية والإيمان بقيمة المشاركة السياسية للكثير من مواطنيها، لكن هذا النوع من المزاج الديمقراطي تحت الحصار وعلى شفا الانهيار، لأن النظام السياسي الأمريكي يؤلّب ضده. نعم، لدى أمريكا عناصر ديمقراطية، لكن الطريقة التي تُشكّل بها هذه “الديمقراطية الأمريكية” ليست مؤسساتية، ولتحقيق مسار الديمقراطية يجب أن تخوض معركة شاقة كل يوم. إنها مهمة شاقة ومهمّة، تقوم عليها الحملات السياسية للارتقاء إلى المناصب العامة. الآن، أصبح المسار الديمقراطي أكثر من أي وقت مضى نشاطاً سياسياً ضرورياً لإنقاذ الجمهورية الأمريكية.