أوهام السلطان!
بات واضحاً للعيان أن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان يحاول بناء خلافة جديدة على رماد الخلافة العثمانية، وهو يسلك لبلوغ هذا الهدف مسلك استغلال “المقدّس” واللعب على وتر التعصب القومي والمذهبي في خطاباته وتصريحاته.
ويمكن التمييز في خطابات أردوغان بين مراحل عدة: الأولى ما قبل وصول حزبه، حزب العدالة والتنمية، إلى السلطة، والتي اتبع خلالها نهجه التحريضي المستغل لعواطف ومعتقدات “إخوان” تركيا، محاولاً الظهور بمظهر المدافع عن التيار الإسلامي والراعي لشؤونه ورافع رايته، والثانية ما بعد تسلّمه السلطة حينما ضمن الغالبية الانتخابية، وبدأ تنفيذ ما يُملى عليه من سياسات الغرب، وانساق ظاهرياً نظام العلمانية، في خطوة براغماتية بحتة لم تغيّر في خلفية أفكاره ومعتقداته المتطرّفة والأصولية، بل إنها غيّبتها مؤقتاً إلى أن وقعت محاولة الانقلاب الفاشل في تموز عام 2016 ليعود ويكرّر الأسلوب الذي اتبعه قبيل وصول حزبه إلى السلطة عام 2002 بالتجييش على أساس مذهبي لكسب الشرعية والتأييد، مع تصعيد أساليب الاستبداد والقمع التي حوّلت تركيا إلى زنزانة كبيرة، حيث زج أردوغان عشرات الآلاف من الأتراك في السجون، وطرد أكثر من 160 ألفاً من وظائفهم في المؤسسات المدنية والعسكرية، الأمر الذي يعيد للأذهان استثمار أردوغان للقضية الفلسطينية عام 2009، إذ انسحب من مؤتمر دافوس، بعد مشادّة مع رئيس كيان الاحتلال شمعون بيريز حول الحرب على غزة، في محاولة للظهور بمظهر “الرجل الأوحد” في مواجهة “دولة الإرهاب”، كما وصفها آنذاك.
ومن جهة أخرى بنى أردوغان شعبيته على نهضة اقتصادية تبيّن مؤخراً أنها وهمية، فخصخص القطاع العام بالكامل، وسمح للبنوك التركية بالاقتراض من الخارج لتمويل مشاريع محلية، ولكن تلك النهضة سرعان ما تبددت مع أول عاصفة أمريكية، إذ انهارت الليرة التركية.
وما بين ضغوط وتوترات خارجية شهدتها العلاقات التركية مع العديد من بلدان العالم، كألمانيا واليونان، وأخيراً حرب الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة التي اشتعلت بعد رفض تركيا الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برونسون، والأوضاع الداخلية المضطربة التي تشهدها البلاد منذ محاولة الانقلاب، حُشِر أردوغان في الزاوية الضيقة فلم يجد مهرباً سوى ركوب موجة التطرّف والتكفير ولا سيما بعد انكشاف حيله في بناء النهضة الاقتصادية الوهمية، فعاد الى رفع شعار “نصرة الإسلام” ومعاداة الغرب و”إسرائيل” مستغلاً عواطف المسلمين ورموزهم ومقدساتهم لتحقيق غاياته الدنيئة.
يضاف إلى تلك الضغوط اضطرابات أردوغان الشخصية الواضحة، ما بين نرجسية تدفعه إلى احتكار جميع الصلاحيات والسلطات لنفسه، وجنون يوهمه بأنه “السلطان الجديد” الذي سيعيد إحياء الامبراطورية العثمانية الآفلة، ومع وضوح المشهد لا يختلف اثنان على أن أردوغان سيقع في شر أعماله، وستفشل مساعيه، وتندثر أحلامه، كما اندثرت أحلام أجداده!.
ريناس إبراهيم