أردوغان.. وصفعة ترامب
ربما كان أردوغان بحاجة إلى صفعة أخيرة من حليفه ترامب بعد فرضه ضرائب جديدة على المنتوجات التركية وإضافته أعباء إضافية على الليرة التركية الآيلة إلى “سقوط حر”، لا أحد يعرف إلى أين ستصل وكيف ستكون انعكاسات هذا السقوط على الداخل التركي الذي ضاق ذرعاً من سياسات “السلطان”، وفي المحيط الإقليمي الذي لا يزال على حذر من غدر الطاغية، حيث أنه لا يمكن لمن أنقذوه في مفاصل عدة الوثوق بأي من الوعود التي قطعها، وهذا بات بديهياً، ودللت عليه سنوات من التجربة.
ما يهمنا في الأمر أن رئيس النظام التركي الذي لعب دوراً رئيسياً في الحرب التي أدارتها الولايات المتحدة من خلف الكواليس في منطقتنا وأوصلت تركيا إلى حال صفر أصدقاء أصبح على رأس المستغنى عنهم من قبل الإدارة الأمريكية نفسها، وبالتالي فإن سياسة اللعب على الحبال والمساومة التي اتبعها أردوغان خلال السنوات السبع الأخيرة أفضت إلى الانتقال من فشل إلى آخر، وما يواجهه اليوم من أزمات هو النتيجة الطبيعية التي تنتظر كل من يرتدي لبوساً يختلف عن بيئته وينفذ أجندات بعيدة عن مصالح شعبه حتى لو تبوأ في بلاده مقاليد الحاكم الأوحد.
حال البؤس الذي بدا على أردوغان خلال استقباله أمير مشيخة قطر، والذي وعده باستثمار عاجل في تركيا يقارب الـ 15 مليار دولار، يعطي صورة مصغرة عن وضع تركيا اليوم على جميع الصعد، فالحاكم الذي لم يجد سوى أمير صغير لا يملك سوى المال ليمد له طوق نجاة ينتشله من وحل جر نفسه إليه جراء أحلامه الطورانية الخبيثة لا يستحق أن يكون والياً على بلد بحجم تركيا، وهو يحتاج اليوم في حال راجع حساباته، إلى عمل كثير للتمكن من الاستمرار ويأتي في مقدمته الكف عن العبث بأمن واستقرار المنطقة، وعدم العمل لحساب من يعتبره أداة تنفيذ لا أكثر ويستغنى عنه عندما يصبح عديم الفائدة، والعودة إلى أرض الواقع ووقف عنجهيته التي باتت مثيرة للضحك في ضوء ما وصل إليه الحال في تركيا بعيداً عن خسائره التي لا تقدّر بثمن.
حتى اللحظة لا يزال أردوغان، الذي نصّب نفسه حاكماً مطلقاً وقابضاً على جميع السلطات بيد من حديد، يكابر ويعتبر انهيار العملة في البلاد “مؤامرة” خارجية، والحراك الشعبي العارم هم “قلة” من الحاسدين له، ومن ينتقدون سياساته، من صحفيين ومحللين استراتيجيين يمثّلون أجندات لا وطنية. وفي الإقليم وخاصة في الملف السوري لا تزال ممارساته على حالها حيث يهدّد بالتدخل العسكري المباشر لصالح الإرهابيين، رغم أنه يدرك في قرارة نفسه أن تآمره على سورية وفتح حدوده أمام شذاذ الآفاق بلغ حده الأقصى، وكانت النتيجة وبالاً على تركيا وشعبها.
بوسع النظام التركي الاستمرار في المراوغة والمساومة لكن الوقت لم يعد في مصلحته في هذه المرحلة، وإن وجد الآن في أزمته العصيبة من يمد له يد العون بالمال فهذا لن يجدي نفعاً في قادم الأيام، حيث أن أزمته أكبر من اقتصادية، وهي في حقيقة الأمر أزمة بنيوية عميقة في هيكلية نظام حزب العدالة والتنمية، وشخصية أردوغان التي تطغى عليها عقلية الرجل الإخواني وفكره الإقصائي، وهذا بالنتيجة لن يرتد إلا أزمات متفاقمة ويجعله خلال مدة وجيزة وحيداً يواجه العاصفة في الداخل وفي الجوار الإقليمي، وربما تكون نهايته التي باتت أقرب من أي وقت “عبرة لمن يعتبر” ممن لا يزالون يضعون بيضهم في سلة واشنطن، وخاصة في الخليج، ويراهنون على الحماية الأمريكية، وهم بالمجمل سيكون مصيرهم ليس بأفضل من مصير أردوغان.
عماد سالم