الخيار المرّ
اكتفت الأسر السورية التي تتقاضى أجراً محدوداً خلال الأيام الماضية بالفرجة على واجهات المحلات التي تعرض ألبسة العيد بألوان زاهية!.
ولم يخطر على بال أحد منها أن يدخل إلى أي محل للمساومة لشراء قطعة جديدة لأطفالها مهما رخص ثمنها، ومن كان يدخر بعض المال فقد توجّه إلى باعة الأرصفة التي تبيع الألبسة والأحذية الرديئة بأسعار يسيل لها اللعاب!.
لم يكن أمام الأسرة السورية سوى خيارين أحلاهما مرّ: إما العيد أو المدارس..!.
واختارت المدارس لأن أيام العيد قصيرة وفرحة الأطفال تطير سريعاً، أما مستلزمات العام الدراسي فلا يمكن تأجيلها.
وإذا أردنا وصف واقع الحال لقلنا: إن الأسرة السورية لم يكن لديها أي خيار سوى مستلزمات العام الدراسي، لأن دخلها “تبخّر” خلال الأسابيع الثلاثة التي سبقت حلول عيد الأضحى، وربما لو بقي لديها ما يكفي لتأمين مستلزمات العيد التقليدية وشراء ما يُبهج الأطفال لما تردّدت أبداً!.
وخيار شراء المستلزمات المدرسية حتميّ وهو سيلتهم راتب شهر أيلول بكامله تقريباً!.
ولعلّ ملايين الأسر السورية تسخر من حملات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لضبط الأسعار، ولسان حالها يسأل بمرارة: وهل تبقّى لدينا من الراتب ما يكفي لشراء مستلزمات العيد مهما رخُص ثمنها باستثناء الشراء من إشغالات الأرصفة؟!.
أما حلويات العيد التي تزدحم بها المحلات فقد تحوّلت إلى “أحلام يقظة”، فأسر الدخل المحدود بالكاد تقوى على شراء “البون بون”!. وقد تفكّر بعض ربات الأسر التي لديها خبرة من أمهاتها وجداتها بصنع حلويات منزلية، لكن مستلزماتها أيضاً ليست بمتناولها فهي غالية جداً.
والسؤال: ماذا بقي من مظاهر العيد؟.
حتى مراكز انطلاق الحافلات باتجاه المحافظات لم تعد تشهد ازدحاماً كما كانت أيام زمان، فالأسرة التي تحلم بقضاء إجازة العيد الطويلة في موطنها وسط عائلتها أصبح حلمها مستحيلاً، فأجور السفر ذهاباً وإياباً، ونفقات إجازة العيد تشفط الراتب بكامله، وهذا الأمر ليس بمقدور آلاف الأسر السورية!.
وبالمحصلة ستكتفي أسر الدخل المحدود بشراء الحدّ الأدنى من مستلزمات العيد من محلات الأرصفة، وتخصيص القليل من المال لعيدية الأطفال، والاكتفاء بمعايدة الأهل والأصدقاء بما تيسّر “أي جود بالموجود”!.
بالمختصر المفيد: الأعياد تحوّلت إلى مناسبة للمقتدرين مالياً.. وهؤلاء لا يحتاجون أصلاً إلى مناسبات للاحتفال، وإلا ماذا يعني أن تتجاوز تكلفة قضاء ثلاثة أيام من العيد في بلد مجاور 50 ألف ل.س للشخص الواحد، وضمن مجموعة تضم عشرات الأشخاص وبخدمات متواضعة جداً؟!.
علي عبود