دراساتصحيفة البعث

الأمن الداخلي في ألمانيا مثل ثوب مرقع

 

ترجمة: مازن المغربي
عن صحيفة دي فيلت الألمانية 4/8/2018
هناك في ألمانيا ثمانية عشر قانوناً مختلفاً ينظم عمل الشرطة، ويسعى وزير الداخلية الاتحادي، هورست زيهوف، وأقرانه في الولايات إلى توحيد معاييرها لكنه يواجه بمعارضة.
يتسبّب الاختلاف بين القوانين الناظمة لعمل الشرطة بالكثير من المشكلات بالنسبة للمحققين، فعلى سبيل المثال في ولاية هسن يمكن مراقبة اتصالات المشتبه بهم في التحضير لعملية إرهابية، لكن إن نقل واحد منهم مسكنه إلى برلين لا يحق للشرطة هناك تطبيق هذا الإجراء بشكل مستمر، ففي العاصمة يجب على المحققين ملاحقة المشتبه ومراقبته في الخفاء، وهذا يذكرنا بالفجوة في مراقبة الإرهابي أنيس عمري التي أثبتت وجود ثغرة في قدرات الشرطة.
وفي الحالات المماثلة لحالة هذا الرجل تعرف الشرطة أن الشخص الذي سينفّذ العملية غالباً ما يتصل بدعاة أجانب مرتبطين بـ “داعش”، وبالتالي كان من الضروري رصد هذا الاتصال بهدف امتلاك القدرة على المبادرة بالتدخل. لماذا لم يتمّ هذا؟.. لأن لدى ألمانيا ثمانية عشر قانوناً يتعلق بعمل الشرطة.
ثمّة قانون ناظم لعمل الشرطة الاتحادية وإدارة الأمن الجنائي الاتحادية وينطبق على الشرطة المحلية في الولايات الست عشرة، لكن ثمة الكثير من الاجتهادات القضائية التي تراكمت وهي تعكس تاريخ جهاز الشرطة خلال الفترة التي تلت الحرب، حيث يوجد تباين كبير في تحديد زمن تدخل الشرطة وأسلوبه.
ولا يمكن تجاوز هذه العقبة إلا من خلال مؤتمر يضمّ وزارة الداخلية الاتحادية مع وزارات الداخلية في الولايات، وقد عبّر هذا المؤتمر عن رأيه بأن توحيد معايير الأمن وعمل الشرطة يتطلب وقتاً. وضمن هذا السياق يتمّ حالياً العمل على صياغة قانون موحد للشرطة.
إن هذا القانون مدرج ضمن أولويات ساسة حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، حيث تضمن ردّ وزارة الداخلية عن سؤالنا أن القسم الأول الخاص بحالات تدخل الشرطة يمكن أن ينجز وقت انعقاد مؤتمر وزراء الداخلية في بداية عام 2019 كما سيتم العمل على كافة أقسام القانون الأخرى.
ووفق تصوّر وزير الداخلية الاتحادي فإن الأفضل هو أن تستلهم نسخة قانون الشرطة في ولاية بايرن الأكثر صرامة بشكل واضح، وهو القانون الذي تظاهر ضده ثلاثون ألف شخص في مدينة ميونيخ، كما أن عدداً من وزراء الداخلية في الولايات رأوا أنه ذهب بعيداً جداً.
ويسعى وزير داخلية براندنبرغ، مثل العديد من رؤساء الأقسام، إلى التركيز على مكافحة الإرهاب والجرائم الخطيرة، ويريد مراقبة المشتبه بهم عبر أساور إلكترونية تثبت على الساق لمدة تصل إلى ستة أشهر. كما يسعى لتمديد مدة التوقيف الاحترازي لتبلغ شهراً كاملاً، وإلى تعزيز السور المقام في منطقة الحدود مع بولونيا.
ويفترض في المستقبل أن يسمح للشرطة بالبحث في الشبكة الإلكترونية ومراقبة اتصالات “الواتس-أب”، وبالتالي الدخول إلى منازل المشتبه بهم دون أن يكون هناك ضرورة لوجودهم ويكفي أن يكون هناك تغطية بقرار من قاضٍ. وينتمي وزير داخلية براندنبرغ إلى مجموعة الوزراء الراغبين في تحديث قوانينهم بهدف إعداد الشرطة لأداء واجبها في المستقبل.
من جهتها قامت هيئة الشرطة الجنائية الاتحادية بصياغة تصوّر إجمالي لعملية توحيد الإجراءات ووزعته في نشرة داخلية من ست صفحات تلقي الضوء على التعديلات المطلوبة، ومما جاء فيها أن مراقبة الاتصالات من قبل الشرطة الجنائية الاتحادية متاحة قانونياً في 12 ولاية لكن ليس برلين وبرمن، ونوردهاين- فستفالن وساكسن. بالمقابل فإن تفتيش الحواسب من قبل الشرطة الجنائية وكذلك من قبل الشرطة مسموح فقط في بايرن، وهسن، وراينلاند- بفالتز.
كما أن استخدام البيانات للحصول على معلومات، بالاستناد إلى الفقرة الخامسة عشرة من قانون الإعلام، مسموح في ثماني ولايات فقط من أصل 16 ولاية.
وتسعى وزارة الداخلية من خلال مبادرتها الجديدة إلى استخلاص الدروس من حادثة الهجوم الإرهابي الذي شهدته مدينة برلين، ويمكن إجراء نوع مع المقارنة مع الجهود التي بُذلت في العقد السابع من القرن المنصرم لوضع نموذج موحد لعمل الشرطة تحت ضغط خطر الإرهاب الذي كان يسارياً وقتها وتجسّد بالجيش الأحمر.
لكن اتحاد رجال الشرطة لم يبد كثيراً من التفاؤل في الوصول إلى قانون نموذجي موحد، حيث قال رئيس الاتحاد إن حظوظ التوصل إلى توافق تراجعت بعد المعارضة التي شهدتها ولاية بايرن، وشاركه في هذا التصور العديد من المعنيين بالأمر الذين رأوا أن هذه الجهود المبذولة لتوحيد قانون ممارسة عمل الشرطة ستضيع نتيجة التجاذبات السياسية.