اقتصادصحيفة البعث

قيمتها العلمية تكمن في تنفيذها العملي.. تقرير حول مساهمة البحث العلمي في إعادة الإعمار

 

 

تستعد المؤسسات العلمية البحثية للقيام بأداء مهامها، كغيرها من مؤسسات الدولة لمرحلة إعادة الإعمار -خاصة وأن العمل العلمي أو البحثي لم يتوقف فيها وإن تراجع بعض الشيء- وذلك من خلال الفعاليات المختلفة التي تقوم بها، كمؤتمر “دور المؤسسات العلمية والبحثية في إعادة الإعمار”، الذي نظّمته الهيئة العليا للبحث العلمي 2014، وهو ليس العمل الوحيد للهيئة العليا في هذا المجال، فقد تطرق الجزء الثاني من تقرير السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار، الذي أنجزته الهيئة العليا وتمّ اعتماده من المجلس الأعلى للهيئة العليا للبحث العلمي، واحتوى مقترحات تساعد في معالجة آثار الأزمة، إلى موضوع إعادة الإعمار.

اتفاق
وفي تقرير صادر عن الهيئة حول مساهمة البحث العلمي في إعادة الإعمار –حصلت “البعث” على نسخة منه- فقد تمّ الاتفاق في الاجتماع الرابع لمجموعة العمل التي يترأسها وزير التعليم العالي والمكلفة بدراسة واقع البحث العلمي في سورية ووضع استراتيجية له وفق سياسة تتبناها الدولة، على أن تقوم الهيئة العليا للبحث العلمي بالسرعة الممكنة بإعداد دراسة عن مساهمة البحث العلمي في مرحلة إعادة الإعمار، بحيث تتضمن هذه الدراسة المحاور والمشاريع العلمية البحثية اللازمة لدعم هذه المرحلة.
كما جرى ترتيب المحاور والمواضيع العلمية البحثية المقترحة حسب الأولوية والأهمية، بحيث يجري تنفيذها على المدى القصير “بضع سنوات” لمعالجة الآثار السلبية للأزمة، والإعداد لمرحلة إعادة الإعمار والمساهمة بها في القطاعات التنموية الستة عشر التي تشملها السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار بجزأيها الأول والثاني، وهي: الزراعة، الطاقة، الصناعة، الصحة، الموارد المائية والري، تقانة المعلومات والاتصالات، البيئة، البناء والتشييد، النقل، التنمية الاجتماعية والثقافية، التنمية المحلية والإقليمية، السياحة، والسكان، بناء القدرات التمكينية “المكون من القطاعين: بناء القدرات البشرية، والتطوير الإداري والقانوني”، إضافة إلى القطاع المالي المكوّن من ثلاثة قطاعات جزئية “النقدي، المالي البسيط، والتجاري”.

فرصة فريدة
وتهدف هذه الدراسة إلى تحديد مساهمة البحث العلمي في إعادة الإعمار في المراحل التحضيرية والتنفيذية وفق الأولويات التي تفرضها هذه المرحلة، حيث تشارك المؤسسات العلمية البحثية من خلال هذه المساهمات في إعادة إعمار سورية مع باقي مؤسسات الدولة، وهي فرصة فريدة لإثبات أهمية البحث العلمي وقت الأزمات والحروب، وقدرته على معالجة وتخفيف الآثار السلبية لها، ودوره في المساهمة بالنهوض بالقطاعات التنموية المختلفة.

مساهمات داعمة
وبيّن التقرير أن المؤسّسات العلمية البحثية تستطيع تقديم مساهمات مختلفة داعمة لبرامج ومشاريع ونشاطات إعادة الإعمار خلال المراحل التحضيرية والتنفيذية، متضمنةً تقديم استشارات ودراسات علمية وتقانية وفنية، وإيجاد حلول لمسائل محدّدة منظورة أو مستجدة وفق متطلبات العمل، وإتاحة استخدام البنية التحتية والموارد التقانية والفنية وفق الحاجة المتوافرة لديها، لخدمة برامج ومشاريع ونشاطات إعادة الإعمار كإجراء تجارب وقياسات، واختبارات جودة، وتنظيم ورشات عمل، ودورات تدريبية وغيرها، إضافة إلى الاستفادة من الدراسات والبحوث العلمية المنجزة لدى هذه المؤسسات، وتركيز جزء مهمّ من الدراسات العليا ومشاريع التخرج ومشاريع الترقية للباحثين فيها، على مجالات تتعلق بإعادة الإعمار، إلى جانب الإسهام في استثمار التقانات المتطورة ووسائل الإنتاج والتجهيزات الحديثة لدى هذه المؤسسات، والعمل على توطينها أو توفير تقانات بديلة محلية، بما يخدم متطلبات إعادة الإعمار، وتقديم الدعم المالي من موازنات هذه المؤسسات في تنفيذ بعض المشاريع العلمية البحثية التي تخدم متطلبات إعادة الإعمار، مثل صندوق البحث العلمي التابع لوزارة التعليم العالي، والموازنة الداعمة للهيئة العليا للبحث العلمي.

تواصل
وأشار التقرير إلى أن تفعيل دور المؤسسات العلمية والبحثية في مرحلة إعادة الإعمار يتطلّب تحقيق التواصل والتنسيق مع المؤسسات الإنتاجية والخدمية العامة والخاصة، مؤكداً أن هناك عدداً من المحاور والمشاريع العلمية البحثية التي تتناولها جميع القطاعات الواردة في الدراسة الوطنية للبحث العلمي، والمتمثلة بدراسة واقع منشآت القطاع ومؤسساته وتوثيقه، وتحديد كيفية معالجة الأضرار التي لحقت بها، وأولويات التنفيذ، ودراسة واقع الموارد البشرية الخاصة بالقطاع وتوثيقه، ووضع خطة لتعويض النقص وتدريب الكوادر اللازمة لمرحلة إعادة الإعمار، وكذلك دراسة ومراجعة جملة التشريعات والقوانين والأنظمة الإدارية التي تحكم القطاع، وتطوير بيئة تشريعية وإدارية مرنة ومبسّطة تتناسب ومتطلبات مرحلة إعادة الإعمار، إلى جانب العمل على الاستفادة القصوى من تقانة المعلومات والاتصالات في توثيق المعلومات المتعلقة بالقطاعات ومواردها المختلفة، وفي دراسة وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في جميع القطاعات، والاستفادة من علاقات التعاون الدولي وخاصة مع الدول الصديقة للمساهمة في مرحلة إعادة الإعمار.

توفير ما يلزم
ولم يغفل التقرير أن قيمة المواضيع العلمية البحثية المقترحة تكمن في تنفيذها العملي، وإلا بقيت حبراً على ورق، لذا ستعمد الهيئة إلى العمل على توفير ما يلزم للبدء بتنفيذ المقترحات الواردة فيها، وفق الإمكانات المتاحة، وستكون البداية بإعداد تصوّر مفصل وشامل حول الإجراءات التنفيذية المطلوبة للمباشرة بترجمة المقترحات البحثية والعلمية الواردة في الدراسة الوطنية للبحث العلمي على أرض الواقع. ولخّص التقرير هذا التصور حول الإجراءات التنفيذية بالخطوط العريضة المتمثّلة بقيام الهيئة العليا بالبدء في تحضير الأرضية المناسبة للانطلاق بالعمل على تنفيذ المقترحات عبر إجراءات تمهيدية، ووضع خطط تنفيذية مناسبة لكل قطاع من القطاعات التنموية بالتعاون مع مختلف المؤسسات العلمية البحثية، وتوثيق الخطوات المنجزة في تقرير سنوي يصدر عن الهيئة العليا.

تحديد
وأشار التقرير إلى أن الإجراءات التمهيدية تبدأ بتحديد المؤسّسات العلمية البحثية المعنية بالتنفيذ حسب اختصاص كلّ منها، ثم توزيع المشاريع العلمية البحثية عليها، على أن تقوم الهيئة العليا بتحديد الجهات الطالبة لهذه المشاريع والمتمثّلة بوزارات ومؤسسات حكومية وغير حكومية.. الخ، ويتمّ بعد ذلك العمل على استصدار تعميم من رئاسة مجلس الوزراء لجميع المؤسسات العلمية البحثية، يتضمن الطلب منها العمل على تنفيذ هذه المواضيع العلمية البحثية حسب القدرة والإمكانات المتاحة، ووفق ما تقترحه الجهات الطالبة، كما يتضمن دعوة جميع الأطراف المعنية إلى التعاون والتنسيق مع الهيئة العليا في صياغة الخطط التنفيذية ومتابعة وتوثيق التنفيذ.

توزيع الأعمال
بينما يجب أن تكون الخطط التنفيذية القطاعية صادرة عن أصحاب القرار والاختصاص، حتى تكون واقعية وقابلة للتنفيذ، لذا ستحرص الهيئة العليا على التواصل مع المؤسسات العلمية البحثية والمؤسسات الطالبة للدراسات والبحوث المقترحة بغية تسمية ممثلين عنها، تمهيداً لتشكيل فرق عمل قطاعية من المختصين، حيث ستعمل هذه الفرق على إعداد الخطط التنفيذية المناسبة لكل قطاع بحيث تتضمن توزيع الأعمال العلمية المقترحة بين المؤسسات العلمية البحثية والتعاون فيما بينها لإنجاز بعض الدراسات والبحوث المشتركة، مع تحديد جدول زمني للتنفيذ، على أن تتمّ المصادقة على الخطط التنفيذية من قبل إدارات الجهات الطالبة والجهات المنفذة للدراسات والبحوث المقترحة، ومن ثم يجري اعتماد هذه الخطط من مجلس إدارة الهيئة العليا ومن قبل مجلس التعليم العالي، ومن ثم يتمّ إرسالها إلى الجهات المعنية للمباشرة بالتنفيذ.
وأشار التقرير إلى أنه يمكن تمويل قسم كبير من هذه المشاريع العلمية المقترحة من صندوق البحث العلمي في وزارة التعليم العالي بشكل رئيسي، ومن الموازنة الداعمة للبحث العلمي في الهيئة العليا للبحث العلمي. ولفت التقرير إلى أن للهيئة العليا للبحث العلمي تجربة طويلة في تقييم، وتمويل، ومتابعة تنفيذ مثل هذه المشاريع العلمية التنموية، حيث دعمت مالياً أكثر من ثلاثين مشروعاً منجزاً في العديد من القطاعات المذكورة.

حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com