اقتصادصحيفة البعث

لا مفر من تصدير ما ننتج وصولاً للإنتاج من أجل التصدير دعم عقود التصدير بنسبة 100% على هامش النسخة ستين لمعرض دمشق الدولي

 

 

سبق وأشرنا إلى الحضور اللافت للتصدير في الاجتماعات الحكومية بغية تكريسه كمكون أساسي ورافع تنموي، في مشهد مغاير لما ألفناه خلال فترة الضغط باتجاه تشريع أبواب الاستيراد وتحويلنا إلى بلد مستهلك بامتياز..! وكان لمعاودة تنظيم معرض دمشق الدولي بنسخته التاسعة والخمسين بعد توقف دام ست سنوات علامة فارقة بهذا الشأن. إذ أعلنت الحكومة حينها تحمل تكاليف شحن كل العقود التصديرية التي تبرم خلال معرض دمشق الدولي محققة بذلك هدفين؛ أولهما دعم المنتجات السورية التصديرية للنفاذ إلى الأسواق الخارجية وبقوة منافسة، وثانيهما استحواذ المنتجات السورية مجدداً على أسواقها المعتادة والتي انكمش وجودها فيها بسبب ظروف الحصار الاقتصادي.

ليس يتيماً
هذا الدعم ووفقاً للمعطيات ليس يتيماً قدمته الحكومة لمرة واحدة في الدورة السابقة من المعرض، بل تبدو الحكومة جادة وعبر وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بتمكين المنتج السوري تصديرياً ليعود إلى سابق ألقه ومكانته التي يستحق في الأسواق الخارجية، وفي هذا السياق كشفت مصادر وزارة الاقتصاد عن دعم شحن المنتجات للعقود التصديرية التي ستبرم على هامش معرض دمشق الدولي بدورته الستين بنسبة ١٠٠% كاملة وذلك تنفيذاً لتوجهاتها ضمن الرؤية الحكومية بدعم وتعزيز العملية التصديرية للمنتجات المحلية وفتح أسواق جديدة أمامها، وهذه المرة عبر دعم المشاركين في معرض دمشق الدولي بدورته الستين، مع اعتماد -وللمرة الأولى- نموذج للعقد التصديري بين الأطراف المتعاقدة والذي تم إعداده وتنظيمه تحت إشراف وزارة الاقتصاد. وأشارت المصادر إلى أن ما يدعم هذا التوجه هو وصول المنتجات السورية إلى نحو 103 دول حول العالم بالرغم من كل ظروف الحصار الاقتصادي.
استشعار الخطر
ونذكر جيداً عقب انتهاء الدورة التاسعة والخمسين للمعرض أنه سرعان ما كان لهذا الدعم آثاره الواضحة في السوق العراقية التي استعادت شغفها بالمنتجات السورية، ما أدى بالنتيجة بالمنتج التركي لاستشعار منافسة نظيره السوري ولو نسبياً في هذه السوق، ودفع بالمحصلة بالحكومة التركية دعماً أكبر لصادراتها لجهة الشحن، فبعد أن كانت تدعم الشحن الجوي بواقع 75 سنتاً للكغ الواحد، سارعت إلى زيادة هذا الدعم بواقع 1.2 دولار للكغ المصدر إلى العراق وذلك وفق إعلان نشرته إحدى كبرى شركات الشحن التركية تضمن أيضاً عروضاً خاصة للمبيت والإقامة، ويأتي هذا الإعلان –حسب بعض المراقبين- إثر احتدام المنافسة بين المنتج السوري ونظيره التركي، التي تولدت نتيجة التوجه الحكومي بدعم الشحن الجوي للصادرات السورية.
استراتيجية
لعل اعتماد استراتيجية (تصدير ما ننتج، وصولاً للإنتاج من أجل التصدير)، هي خير وسيلة لضمان نجاح العملية التصديرية بكل مكوناتها، وهذا يتطلب بالضرورة التركيز على دعم الإنتاج المحلي عبر تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها الداعم الأساسي لعملية النمو، وإيجاد البيئة اللازمة لتشجيع الاستثمار الموجه للتصدير، إضافة إلى التوجه لدعم القطاعات الزراعية والصناعية والحرفية، وتقديم خدمات استشارية وفنية لتحسين جودة الإنتاج بالشكل الذي يحقق تصريفه في الأسواق الخارجية، وإعادة إعمار الصناعات التي تم تدميرها خلال الأزمة لإعادة توجيه الإنتاج نحو التصدير، وتنفيذ مشاريع رائدة ذات بعد حيوي بالتعاون والتشاركية مع القطاع الخاص، وإزالة العقبات المتعلقة بالعملية التصديرية، وترويج الصادرات في السواق المستهدفة، وتحسين الإنتاج من حيث تطوير نوعيته عبر الحصول على شهادات الجودة المطلوبة، والمساهمة في إعداد وتنفيذ برامج تتبع الصادرات.

الكرة في ملعبكم
نعتقد أن التوجه الحكومي نحو اعتماد التصدير مساراً أولوياً بات واضحاً، فبذلك يمكن اعتبار أن الجهات المعنية قد رمت الكرة بملعب قطاع الأعمال بكامل أطيافه، وعلى الأخير تلقي الكرة وتصويبها بالمرمى الصحيح، وعليه بالضرورة أن يعي حتمية وصولنا إلى أولى عتبات الانفراج الاقتصادي، وإعادة النظر بكثير من الحسابات لضمان البناء الاقتصادي المتين المرتكز بالأساس على الاستفادة من أخطاء الماضي إذا ما اعتبرناها دروساً يستفاد منها، وذلك من خلال الاشتغال على العملية الإنتاجية بكل تفاصيلها، مع الأخذ بعين الاعتبار رص صفوف هذا القطاع الممثل باتحاداته كافة، لا أن يغني كل على ليلاه، وبما يخدم مصالحه، إذ يمكن أن يستفيد الكل في حال تم اعتماد العمل على مبدأ “إن البعض للكل، والكل للبعض”.
إن تعزيز مكانة التصدير كركن أساسي من أركان اقتصادنا الوطني سينعكس أيضاً على العلاقة بين قطاع الأعمال واتحاداته كافة لجهة التنسيق بينها واعتماد صيغة أو آلية عمل تضمن تأمين مصالح الجميع سواء مستلزمات الإنتاج المطلوبة للصناعي من خلال العاملين في مجال الاستيراد، أو تسويق المنتجات النهائية للصناعي أيضاً من خلال المختصين بالتصدير والعارفين بأذواق ومتطلبات الأسواق المستهدفة، أو حتى توجيه المزارعين خاصة ذوي الحيازات الكبيرة على إنتاج محاصيل بمواصفات خاصة تناسب أسواقاً بعينها، وتبقى الإشارة إلى حيثية مهمة في هذا الشأن وهي ركل مبدأ العمل وفق قاعدة “تصدر الفائض من الإنتاج ولاسيما الزراعي منه”؛ فهذا الأمر هو مقتل للعملية التصديرية كونها تشكل رسالة سلبية للمنتجات المحلية وقد سبق لها وأن وقعت في هذا المطب..!.
حسن النابلسي