العدوان لن يغيّر المعادلة على الأرض
هل يقدم الثلاثي الأمريكي البريطاني الفرنسي على توجيه ضربة جديدة إلى سورية، على خلفية اتهام جيشها بارتكاب هجوم كيميائي في محافظة إدلب، تخطط له مخابرات تلك الدول، ويقوم بتنفيذه إرهابيوها، من أجل منع الجيش العربي السوري من استعادة إدلب، وإنهاء الوجود الإرهابي فيها؟. ليس استخدام الإرهابيين السلاح الكيميائي ضد المدنيين في المناطق التي يسيطرون عليها، وإلصاق التهمة بالجيش أمراً جديداً.. وقد وصل الأمر، في هذا المجال، إلى حد فبركة فيديوهات بائسة تدين مفبركيها وتفضحهم، كما تؤكد تورط إرهابيي “الخوذ البيضاء” في فبركتها… وتكفي العين المجردة لاكتشاف هذه الحقيقة. لكن يبدو أن أمريكا وحلفاءها، مازالوا، رغم افتضاح حقيقة السيناريوهات الكيميائية المزعومة، وانكشاف طبيعة النشاط الإرهابي للخوذ البيضاء، مصرين على هذا النوع القذر من المسرحيات لتبرير عدوانهم على سورية، نظراً لأنهم لا يملكون مبرراً غيره، مع أنه مبرر مختلَق تماماً كما يعرف الجميع، ورغم أن استخدام تلك السيناريوهات في مرات سابقة، كان آخرها في الغوطة الشرقية، لم يجد نفعاً، ولم يفت في عضد الجيش الذي لم يثنه التهديد والوعيد والعدوان عن المضي قدماً في الحسم العسكري في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون، إذا لم يقبلوا بالمصالحات والتسويات…
هي سياسة استغباء عقيمة، فقدت مصداقيتها تماماً. لكن أعداء الدولة الوطنية السورية مازالوا يصرون على الاستمرار فيها، ليؤكدوا لشعوب العالم ودوله المستقلة أنهم لا يقيمُون أي وزن للقيم الأخلاقية والإنسانية، وأنهم مستعدون لاستخدام أبشع الوسائل للوصول إلى غاياتهم السياسية. وهكذا فإنهم لا يتورعون عن قتل الأطفال والنساء بالسلاح الكيميائي إذا اقتضت مصلحتهم ذلك، دون أن يرف لهم جفن. واليوم، وقبيل أن تبدأ معركة إدلب، وضعت أمريكا وحلفاؤها القناع الإنساني، وأصبحت قلوبهم تنبض إنسانية وتعاطفاً مع أهالي إدلب، بينما هم يعدّون في الخفاء هجوماً كيميائياً عليهم، ويعرفون أن معظمهم أسرى لدى الإرهابيين، ويتم إطلاق النار عليهم كلما عبّروا عن سخطهم، أو حاولوا الالتحاق بركب المصالحات…
هي قمة التوحش والإجرام، وخاصة عندما نرى المجازر السعودية المتتالية التي تحصد أرواح أطفال ونساء اليمن بغطاء أمريكي. فكيف يُنتظر من الوحش الأمريكي المسؤول عن كل الجرائم البشعة بحق ملايين العراقيين والسوريين واليمنيين والفلسطينيين واللبنانيين، كيف يُنتظر منه أن يتأنسن فجأة إلا لتغطية جرائم جديدة يستعد لارتكابها..
وبالعودة إلى السؤال، يمكن القول: إن أمريكا وحلفاءها لا يتحملون رؤية الجيش السوري يدق آخر المسامير في نعش إرهابييهم المتجمعين في إدلب، لأن استكمال الجيش مهمة القضاء على الإرهاب في سورية، يعني فقدان مشغليهم الدوليين والإقليميين القدرة على تعطيل الحل السياسي الوطني الذي يريده الشعب السوري، والذي يحافظ على سيادة الدولة ووحدتها أرضاً وشعباً، وعلى استقلالية قرارها، وعلى نهجها الوطني العروبي المقاوم…
لاشك إذاً أن عدواناً ثلاثياً جديداً على سورية ليس مستبعداً، وهناك مؤشرات ومعلومات عنه ساقها الروس، ولا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أيضاً حاجة الرئيس الأمريكي الذي يواجه خطر العزل إلى تحويل الأنظار عنه. لكن في المقابل، لا يبدو ترامب قادراً على تجاهل الموقف الروسي الصارم ضد هذا العدوان المنتظر، ولا على تجاهل أن أزمته مع تركيا لا تخدم مخططه العدواني الجديد…
ويبقى استعداد الجيش العربي السوري للتصدي لأي عدوان عاملاً أساسياً في لجم العدوانية الأمريكية التي تتزايد مع اقتراب هذا الجيش وحلفائه من تحرير آخر المناطق التي يسيطر عليها الإرهاب.
ولا بد أن الإدارة الأمريكية هي اليوم أمام خيارين أحلاهما مر. لكن المؤكد أنها لن تستطيع، بالعدوان المباشر إذا أقدمت عليه، أن تغيّر المعادلة على أرض الواقع، وأن تعيد الحياة لمشروعها المنهار، ولا أن تستمر في منع تحقيق الانتصار السوري النهائي، وتعطيل مسار الحل السياسي الوطني الذي يتطلع له السوريون.
محمد كنايسي