مع الأحداث “ملهاة” ترامب
عندما ودّع ريكس تيلرسون وزارة الخارجية، وهو الذي كان يدير امبراطورية “إكسون موبيل النفطية بعظمتها”، قال مخاطباً واشنطن: “أيتها اللئيمة”!. في الواقع هي كذلك، لأن كل من يعرف واشنطن والدولة العميقة المتحكمة بصنع القرار السياسي فيها يجد كم هي شرسة، وكم أن اللعبة السياسية فيها لا تعرف الرحمة.. إنها عاصمة سريعة الإيقاع إلى حد الرعب، هي سوق سياسية بمعنى الكلمة، وهناك حركة بيع وشراء في السياسة على مدار الثانية وليس الساعة، ولوبيات قوى ضغط، ومعارك مستمرة، واستحقاقات انتخابية لا تنقطع من الرئاسة إلى الكونغرس، إلى الشيوخ، إلى حكام الولايات، إلى المحكمة العليا.. عجلة لا تهدأ، والأسلحة كلها متاحة في هذه اللعبة. ورغم أنها عاصمة صغيرة، إلا أنها تدير شؤون العالم، كونها قائمة على الوشوشة والهمس والشائعات ونقل الأخبار، وترامب يعرف خبايا هذه العاصمة، لهذا يستيقظ من الرابعة صباحاً كي يفاجأ المجتمع الأمريكي قبل أن يسبقوه برواية تحرجه أمام محازبيه.
في الواقع، لا توجد مسافة كبيرة بين الكابيتول والبيت الأبيض، فهي ليست أكثر من أربعة شوارع يتركّز فيها الثقل السياسي الأمريكي، ومن هنا قد يخرج قرار عزل ترامب في سابقة فريدة في الخط الكلاسيكي السياسي الأمريكي. احتمال صدور هذا القرار يجعله حالياً يعيش أياماً ربما هي الأسوأ منذ توليه الرئاسة في كانون الثاني 2017، بعد إدانة محاميه الخاص السابق مايكل كوهين ومدير حملته السابق بول مانافورت باتهامات من بينها التهرب الضريبي، والاحتيال المصرفي، والتعامل مع شخصيات أجنبية خلال الحملة الانتخابية لعام 2016.
أهمية الاتهامات التي يواجهها ترامب أنها تهدد فترة حكمه بالانتهاء المبكّر، حتى إن الحديث عن عزله بدأ يتزايد في الأوساط السياسية، لكن أغلب الديمقراطيين يحاولون التصرف بهدوء، خوفاً من أن تغضب أفعالهم الجمهوريين قبل انتخابات الكونغرس النصفية في تشرين الثاني المقبل والتي ستكون بمثابة استفتاء على عزل ترامب، كما قال ستيف بانون، كبير مستشاري الرئيس للشؤون الاستراتيجية السابق.
ربما حلت اللعنة على البيت الأبيض، وأدت إلى تحوّل الحلفاء والأصدقاء إلى ألد الأعداء، حتى إن الأحداث الأخيرة أوضحت أن الأشخاص الذين عملوا مع ترامب لم يعودوا يخشون من أن يزدريهم، وقرروا أن يضعوا أنفسهم أولاً، في حال وضعوا في موقف الاختيار بين ولائهم له، وواجباتهم السياسية والدستورية، وبين المساءلة القانونية.
ولعل اهتزاز صورته كحاكم لا يقهر، قد يشجع أعداءه على التمادي في موقفهم، والإفصاح عن أمور قد تسيء إليه، والأسوأ من ذلك، إن لم تكن نتائج انتخابات الكونغرس النصفية لصالح الحزب الجمهوري، فإن ترامب قد يواجه مشاكل مع أعضاء حزبه بعد تورطه في أخطر تحقيق جنائي يواجهه رئيس أمريكي منذ عقود.
لا شك أن الدولة العميقة التي سيرته منذ توليه الرئاسة ونفذ أجندتها، هي من تريد عزله الآن بعد أن تمادى في قضايا كانت من المحرمات حتى الأمس القريب، والخلافات الداخلية التي كان العالم ينشغل بها ما كانت سوى ملهاة ربما تنهي حياته السياسية.
علي اليوسف