بولتون يوعز للقاعدة بشن هجمات كيميائية جديدة في سورية
هيفاء علي
لم تعد تهديدات الإدارة الأمريكية بتوجيه ضربة لسورية مستغربة، إذ يتكرر نفس السيناريو على الدوام مع ذرف دموع التماسيح في كل مرة يحقق فيها الجيش السوري انتصاراً عسكرياً في ميادين المعارك، وباستخدام النفاق نفسه والأكاذيب ذاتها منذ أن حدد باراك أوباما خطه الأحمر في سورية عام 2012. وها هو صقر آخر من صقور البيت الأبيض، المدعو جون بولتون، مستشار الأمن القومي، يأتي بدوره لإخراج سيناريو الهجوم الكيميائي الكاذب ويهدد بضرب سورية “في حال استخدمت الحكومة السورية الأسلحة الكيميائية”، ليبدو الأمر وكأنه إيعاز رسمي لتنظيم القاعدة في إدلب لشن هجوم كيميائي في المنطقة. وكان سبق بيان بولتون هذا إعلان مشترك من قبل فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا هدد بتوجيه ضربة عسكرية لسورية.
يبدو أن ضرب سورية في نيسان إثر مزاعم لا أساس لها من الصحة باستخدام السلاح الكيميائي في دوما لم يخفف من شهية البيت الأبيض وشركائه للدمار والقتل. وتصريحات بولتون رددتها وسائل الإعلام الغربية الكبرى ومجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان، المزيفة، “المناضلون الإعلاميون” المعتادون، وأشخاص مقربون من مجلس الحلف الأطلسي، إضافة إلى جوقة البروباغندا الحربية.
هذه العبارات جاءت على لسان ايفا بارتليت، الصحفية الفرنسية المستقلة والناشطة في مجال حقوق الإنسان، والتي تعرف سورية وقطاع غزة حق المعرفة، وذلك في سياق تحليل مطول حمل عنوان “جون بولتون يأمر تنظيم القاعدة بافتعال هجمات كيميائية”. ايفا أشارت إلى أن العالم يسمع الآن الترنيمة نفسها ويشهد الحركات البهلوانية نفسها، ما دفع كثيراً من الناس للتشكك وعدم تصديق أولئك الذين ينبحون، وكانت البروباغندا الحربية حامية الوطيس قبل وأثناء تحرير شرق حلب والغوطة الشرقية ودرعا والجنوب السوري، تماما كما هي عليه الآن، إذ تعتبر اتهامات الأسلحة الكيمائية من أكثر أساليب البروباغندا الحربية استخداما في الحرب على سورية. ومنذ أواخر 2012 وحتى نيسان 2018، شجب المتحدثون باسم الناتو الهجمات القاتلة بغاز الكلور أو السارين، ولكن ثبت أنه كانوا يكذبون في كل مرة، وتكشف الحقائق أن المسلحين سيطروا على مصنع الكلور، وهم من شن الهجوم الكيميائي. ومن بين المزاعم الغربية باستخدام أسلحة كيميائية هناك: آذار 2013 في خان العسل، آب 2013 في الغوطة الشرقية، نيسان 2017 في خان شيخون، ونيسان 2018 في دوما، الغوطة الشرقية. وأضافت ايفا: “فيما يخص مزاعم هجوم خان العسل، فقد أكد عضو لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن المتمردين هم من استخدموا غاز السارين وفق المؤشرات التي حصلت عليها اللجنة عند معاينة المنطقة المستهدفة”، وليس الجيش السوري، فيما أشار أحد الصحفيين الذين قصدوا المنطقة إلى أنه تحدث إلى “المتمردين وأفراد من أسرهم الذين اتهموا بندر بن سلطان بإرسال تلك الأسلحة إلى الإرهابيين”.
ولفتت الصحفية الفرنسية إلى وجود شكوك حول حقيقة هجوم خان شيخون، وتحديداً وفق التقرير الصادر عن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في خان شيخون، والذي أشار إلى أنه تم إدخال 57 حالة مرضية إلى المشفى قبل وقوع الهجوم المزعوم. وكانت نتائج عينات البول والدم المأخوذة من ضحايا غاز السارين متضاربة. وفي نيسان 2018 أقدمت واشنطن وباريس ولندن على شن عدوان جائر على سورية استهدف عدة مواقع من بينها حي برزة المكتظ بالسكان في دمشق، ما أسفر عن تدمير موقع لتصنيع أدوية السرطان وليس لتصنيع أسلحة كيميائية. وفي دوما، أشار الطاقم الطبي إلى أن المرضى لم يكن لديهم أعراض الهجوم الكيميائي، فيما أكد شهود عيان من دوما عدم وقوع أي هجوم كيميائي، وقد أدلى 17 شاهداً من المدنيين والأطباء بشهاداتهم في محكمة لاهاي، فيما تجاهلت وسائل الإعلام الغربية تلك الشهادات. زد على ذلك، أشارت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أنه لم يتم الكشف عن أي مواد كيمائية محظورة في العينات المأخوذة من المواقع المشتبه بها. وتساءلت ايفا: من المستفيد من هذه الاتهامات المتواصلة؟ وما هي مصلحة الحكومة السورية في ارتكاب مثل هذه الهجمات المزعومة؟ لقد أبلغت وسائل الإعلام السورية مؤخراً عن احتمال قيام عناصر من الخوذ البيضاء وعناصر من القاعدة بنقل شحنة من براميل غاز الكلور من مصنع لإعادة تدوير الكلور بالقرب من الحدود التركية إلى إدلب المحتلة من قبل الجماعات الإرهابية، ما يدل على وجود أنشطة غريبة للخوذ البيضاء الذين انفضح أمرهم واتضح أنهم ليسوا عناصر دفاع مدني وإنما إرهابيون، ما يؤشر على إعداد مخطط سيكون بمثابة ذريعة لجولة جديدة من الاتهامات للحكومة السورية.
ولفتت الصحفية الفرنسية إلى أنه ليس فقط الإرهابيون من يعارضون المصالحة، بل الحكومات الغربية التي ترى أنها تشكل عقبة أمام مشروع التدخل العسكري، مع العلم أن المصالحة جلبت السلام والاستقرار إلى أجزاء عديدة من سورية، وآخرها درعا والقنيطرة وجزء كبير من ريف السويداء. وتقول: “عندما كنت في درعا لتغطية العملية العسكرية للجيش السوري، كانت القذائف تنهمر بغزارة على منازل المدنيين، أما الآن، وبفضل المصالحات التي شملت جميع مناطق درعا، فقد عمّ السلام والهدوء كما هو الحال في الغوطة وحلب ومناطق أخرى”.
وتختم بالقول: “كلما بدأت عملية المصالحة في منطقة جديدة، يقوم الإرهابيون باستهداف الممرات الإنسانية التي تؤمنها الدولة السورية لخروج المدنيين، فيما يتجاهل القادة الغربيون عمدا الفظائع التي يرتكبها مقاتلو تنظيم القاعدة، ويحاولون شيطنة الحكومتين السورية والروسية. وأنا على ثقة أن الولايات المتحدة وحلفاءها هم المسؤولون عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في كافة أرجاء العالم، وليس فقط في سورية، ولابد وأن يأتي اليوم الذي يحاسبون فيه على جرائمهم الشنيعة هذه.