حياة إدلب وموت “الناتو”!..
قد يبدو سابقاً لأوانه وربما غريباً الزعم بأن حلف شمال الأطلسي “الناتو” بات قريباً من الحديث عنه في موسوعات الإنسكلوبيديا العالمية على أنه “تحالف عسكري سابق”.
ولعل ما يدفع إلى هذا الاستنتاج، جملة من المتغيرات والتضادات التي عصفت وتعصف بنمط المصالح الخاصة لدول الحلف خلال السنوات الأخيرة، فالولايات المتحدة الأمريكية التي أجرت سلسلة تحركات كشفت نيتها النأي بنفسها عن حلفائها التقليديين في حلف شمال الأطلسي، وباتت سياساتها التدخلية تدور حول جيش من “المرتزقة والتكفيريين” وتحولت سياساتها العامة إلى الدوران حول “أمريكا أولاً وآخراً.. وأمريكا الآباء المؤسسين.. وأمريكا التي أتعبتها الأزمات الدولية، شارف اقتصادها على الوهن والسقوط، مع /18000/ مليار دولار دين عام، فيما دول أوروبا الأعضاء في الحلف خاصة، وأوروبا عامة، باتت تتحين الفرصة للتخلص من عبء وعيب التبعية للسيد الأمريكي” وتتحدث جهاراً عن “الأمن الأوروبي” بعد أن كان “أمنها المحلي ممسوكاً أمريكياً” وقد دعت فرنسا وألمانيا بشكل لافت خلال الأسابيع الماضية إلى تجنب الاعتماد على الولايات المتحدة أمنياً عن مراجعة شاملة لأمن التكتل الأوروبي تتضمن روسيا وكل الشركاء الأوربيين وفق مبدأ “أمن أوروبا مسؤولية أوروبية”، واللافت في التوجه الجديد حديث الأوروبيين عن عملة تبادل جديدة بدل الدولار وتبادل بالعملات المحلية وإصلاح اقتصادي.
ويبقى النظام التركي الذي ما زال يعاند عقارب الساعة، ويعمل ما بوسعه من فوضى بالمنطقة على أمل بث الحياة في الناتو، ويكاد يُضمِّنُ مفردة “عودة الناتو” في كل جملة يقولها، ولا عجب في سلوكه، فكأنه يرى تلك اللحظة التي ستصبح فيها قاعدة إنجرليك العسكرية مزاراً للباحثين عن لقطة تذكارية لما بقي من الحلف العتيد.
على أنه إذا كانت تلك حال الحلف بالداخل، فكل الدلائل خارجه تشير إلى هذا الاستنتاج، فتضارب أنماط إدارة العلاقات الدولية والمصالح الدولية وتقدم “فردانية” مصطلح الدولة على حساب تراجع “تمدد” الحلف باتت تعجل بقرب تلك النهاية، ويكفي أن نقرأ: توقف الحلف عن التمدد شرقاً وتراجع دوره في الأزمات، صعود روسيا والصين، اتساع اليسار في أمريكا اللاتينية، قرار عديد دول العالم التبادل التجاري بعملاتها الوطنية، قطارات شحن البضائع التي تغزو أوروبا، لمن ملكية الشركات العملاقة في البر الأوروبي، تقارب بريطانيا والصين، التقارب الروسي الأوروبي، خطوط الغاز الروسية، فشل الربيع العربي، ومخرجات الحرب على سورية.
أجل، إن كان لكل تحالف أجل، ولادة وحياة وموت، فتحالف شمال الأطلسي بات قريباً من وضع نهاية درامية له، ولم لا، فقد كشف انضمام دول شرقي أوروبا أنها كانت عبئاً عليه، كما أثبت اللجوء إلى تحالف من “المرتزقة” و”الجماعات الإرهابية” و”شركات التدخل العسكري ما وراء البحار” شطارة في القيام بأي مهمة تقليدية أو استراتيجية مقارنة بما يمكن أن يقوم “الأطلسي” لا بل إن تكلفته المالية تقارب الصفر مقارنة مع /3000/ مليار دولار تكلفة غزو العراق، وفوقها /40/ ألف جندي أمريكي قتيل، إضافة إلى أن هذه التوليفة بين المرتزقة والتكفيريين لا تتأثر بالقيود التي يفرضها تشابك العلاقات الدولية، ولا حتى بتنافر الأيديولوجيات الحاكمة، ناهيك عن نتائجها المرضي عنها أمريكياً على الأرض والمتمثلة في الفوضى والتدمير وتعميق الصراع.
إن عودة إلى الوراء بضعة سنوات لا تزيد عن العشرة، لن تجعل أشد المتفائلين والمتشائمين ولا حتى العرافين وضاربي الرمل والفنجان بوارد أن ما حدث كان بمتناولهم، إلا أنه حدث، وفاجأ الكل.
فيما بقيت في رقعة الشطرنج الغريبة والمفاجأة تلك، حركة أخيرة هي معركة إدلب سواء حرباً أو مصالحة، والتي لن يكون بعدها إلا “كش ملك” وهي حركة تفسر سر علاقة معركة إدلب بقرب نهاية الناتو، إذ أنه مع استعادتها، سوف يكون العالم أمام كم كبير من رسم علامات الاستغراب والتعجب، أقله ما سيعترف به آلاف الإرهابيين العرب والأجانب، وقد أشارت رسائل ثلاثي الإرهاب “الجولاني، البغدادي، الظواهري” إلى بعضه، فكانت استغاثة تسبق الفضيحة، وهي “إما أن تنقذونا أو نفضحكم”.
خلاصة القول: قريباً سيتضح ما الذي أنجزته سورية وشركاؤها الإقليميون والدوليون، وسنكون حينها أمام حديث متزايد حول أسباب ونتائج هذه الحرب العالمية التي دارت رحاها داخل سورية، وسيكون من بين تلك الأسئلة سؤال لافت يتناول العلاقة بين الحرب على سورية ونهاية الناتو، ولن نفاجأ عندها إن قرأنا إعلان وفاته في مانشيتات الصحف الأمريكية والأوروبية بعد أن تحدث العديد منها عن موته سريرياً خلال السنوات الماضية.
عمر المقداد