في ميزان الثقة… التسوق الالكتروني.. محاولات فردية خجولة.. واختراقات تستدعي المزيد من قوانين الحماية
لم يعد هوس الذهاب إلى السوق والتجوّل به لساعات طويلة يشكّل الهاجس الأساسي للكثير من الفتيات اللواتي وجدن بالتسوق الالكتروني ضالتهم، والمتعة الأكبر في الغوص بالعالم الالكتروني، واختيار شتى السلع التي تناسبهن دون الحاجة للخروج من المنزل بعد أن غزا الأنترنت أدق تفاصيل حياتنا، ليختصر لنا الكثير من الأعباء، وعلى الرغم من أن التسوق الالكتروني أثبت فشله في الكثير من المواقع، إلا أنه في المقابل حصد الكثير من النجاح في مواقع أخرى.
بين الرفض والقبول
استطاع التسوق الالكتروني حصد نتائج كبيرة خلال سنوات الأزمة بعد أن فقد الكثير من التجار محالهم التجارية، ووجدوا بصفحات الأنترنت ملاذاً لهم لتسويق منتجاتهم، عدا عن أن تكلفة التسوق أقل بكثير من تكلفة استئجار أو شراء محل تجاري من جديد، وإذا ما نظرنا إلى المجموعات التي تمتهن البيع عبر الشبكة، سنلاحظ الازدياد المتسارع في أعداد المواطنين الذين يقبلون عليها، وخاصة من الرجال، كذلك وجدت فئة ليست بالقليلة من الرجال في مواقع البيع الالكتروني وسيلة سهلة في شراء حاجاتهم، ليصبح الكثير من الرجال والفتيات من المدمنين والمواظبين على صفحات البيع والشراء، ومعرفة كل جديد في السوق الالكتروني، حيث يوفر التسوق الالكتروني عليهم مشقة التجول في الأسواق، واختيار ما يرغبون دون عناء النقاش والجدال الطويل مع أصحاب المحال التجارية، وفي المقابل تجد شريحة من المجتمع أن التسوق في العالم الافتراضي عبارة عن كذب وتلاعب كالحب عبر مواقع الدردشة، فالأخطاء والتلاعب من قبل أصحاب المنتجات بغرض تلميع منتجاتهم بأبهى الحلل لجذب المستهلكين الذين يقعون فريسة سهلة لهذه الطريقة في التسوق، وضحية عملية نصب وغش من قبل التجار الالكترونيين.
إعالة للأسر
الكثير من النساء أنشأن مجموعة على صفحات التواصل الالكتروني، والتسويق لمنتجات التجار بعد الاتفاق معهم، وحصدن عشرات آلاف الإعجاب بالصفحة، وبالتالي بدأ الزبائن بشراء المنتجات المعروضة على تلك الصفحات، وهدى واحدة من تلك النسوة وجدت في هذا العمل راحة جسدية ومادية بعد أن فقدت زوجها في الأزمة، وهي المرأة غير الموظفة، فقامت بشراء بضاعة بسعر الجملة من السوق، وعرضها على صفحة خاصة أنشأتها، وحصدت عليها الإعجابات، وفتحت لها ولعائلتها الصغيرة مصدر رزق استطاعت من خلاله التوسع بعملها شيئاً فشيئاً، كذلك الأمر بالنسبة لامتثال “أم سامر” التي باتت “أشهر من نار على علم”، تدير إحدى أشهر الصفحات السورية للتسويق والإعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي، لتفتح المجال أمام عدد كبير من السوريين للاستفادة من خدمات التسوق من المنزل، سواء كان بائعاً أو مشترياً مجاناً، وخاصة أن عدد المشتركين في الصفحة فاق 200 ألف شخص، وكل ذلك، حسب رأيها، بهدف مساعدة السوريين، وخاصة النساء خلال الأزمة، فبعد أن فقدت سورية عدداً كبيراً من شبابها ورجالها، أصبح الاعتماد على السيدات بشكل كبير لإعالة الأسرة السورية.
ضوابط ومرجعية
عدم وجود مديرية خاصة في سورية، ولا منهجية معينة في اتباع هذا الأسلوب من التسوق، جعل منه مسألة غير مرغوبة من قبل الجميع كالتسوق المعتاد، والتجول في الأسواق، برأي الخبير الاقتصادي محمد كوسا، إذ لا توجد ضوابط وقوانين وضمانات ومقومات لمثل هذا النوع من التسوق، فالتسوق الالكتروني كالتسويق الالكتروني بحاجة لوجود أقنية الكترونية تشرف عليها الدولة، وما يحصل اليوم في سورية هو محاولات خجولة من قبل مجموعة من الأفراد دون وجود مرجعية قانونية، والأقنية المالية المتاحة في سورية خجولة، وتلزمها خطة حكومية من قبل وزارة الاقتصاد والاتصالات، ليصبح حالة من الأمان عند الشراء، وتجنب حالات النصب والاحتيال التي يتعرّض لها المستهلك عند قيامه بالتسوق الالكتروني، ولم ينف كوسا أهمية هذا النوع من التسوق على الاقتصاد الوطني، وضرورة تطويره، خاصة أن الشبكة العنكبوتية لها من الزمن أكثر من ثلاثة عقود، واليوم إذا أراد الاقتصاد الإقلاع من جديد بقوة عليه تأسيس مساحات وعلاقات اقتصادية أقوى، وتوسيع التسوق الالكتروني، خاصة فيما يتعلق بنشر الثقافة الحرفية الموجودة لدينا، والترويج للمنتجات اليدوية التي تعطي مردوداً للإنتاج المحلي، فالتسوق الالكتروني يعيل الاقتصاد الوطني، ويساعده على النهوض من جديد، وفي المقابل وجد أيمن ديوب، “دكتور في الاقتصاد”، أن هذا النوع من التسوق يجذب الزبائن بصور أكبر من التسوق الاعتيادي من خلال تكرار صورة البضاعة أمام عين الزبون على الصفحات الالكترونية بشكل دائم، ولأن المستهلك يتواجد على صفحات التواصل الالكتروني أكثر من تواجده في السوق، كذلك يتيح المجال للمستهلك برؤية المنتج على راحته، ودون تقيد بالوقت، واختيار اللون والسعر المناسب له، وكذلك فإن التسوق الالكتروني يوفر على المشتري عدة أمور أهمها الجانب المادي من أجرة مواصلات، ومن ثم توفير الوقت والجهد في البحث عن حاجاته ضمن أكثر من سوق في كثير من الأحيان، لكن التسوق الالكتروني مازال في سورية في مرحلة الإقلاع، ويحتاج للكثير من الاهتمام الحكومي كي ينهض بقوة، ويدفع اقتصادنا نحو الأعلى، توازياً مع الدول الأخرى التي قطعت أشواطاً في التسوق الالكتروني، لذا لابد من البدء بوضع قوانين تنظم هذا التسوق بشكل يبعد الشك والاحتيال والنصب الذي لامس الكثير من صفحات التسوق الالكتروني في بلدنا، وأول هذه القوانين إعادة ثمن المنتج للمشتري في حال لم تتطابق مع المواصفات المذكورة في الإعلان الالكتروني، ويتم إيقاف البائع عن ممارسة أي نشاط تجاري.
فرص عمل
تسرب التسوق الالكتروني إلى حياتنا شيئاً فشيئاً، ليصبح اليوم ظاهرة موجودة عند الكثير من الأفراد، فبرأي الأستاذة فريال حمود، “علم اجتماع”، التسوق الالكتروني سلاح ذو حدين، له من الإيجابيات ما يعادل السلبيات، ولكن في حال استطعنا في بلدنا استغلال التكنولوجيا بالشكل الصحيح سيعود هذا النوع من التسوق علينا وعلى بلدنا بالنفع، واليوم في ظل تدهور ظروف الشباب الاقتصادية فإنها دفعت الكثيرين إلى ترويج منتجاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كذلك الأمر بالنسبة لشريحة كبيرة من التجار ممن فقدوا محالهم التجارية وشركاتهم، لتتيح مواقع البيع الالكترونية للتجار تسويق منتجاتهم، وللمستهلك سرعة واختصار الوقت والمال والجهد في اقتناء احتياجاتهم، ناهيك عن توفير هذه المواقع الكثير من فرص العمل لشريحة واسعة من الشباب، وكذلك خلق هذا النوع من التسوق منافسة بين التجار المروّجين لبضائعهم الكترونياً من حيث الجودة والأسعار، وهذا يصب في مصلحة المستهلك أولاً وأخيراً، لكن المشكلة في التسوق الالكتروني في بلدنا هي عدم وجود قوانين تلزم المروّجين لبضائعهم بالانصياع لها، حيث يفقد المستهلك في الكثير من الأحيان حقه في الحصول على المنتج الذي يريد وفقاً للمواصفات المعروضة على الصفحات الالكترونية، إذ يتعرّض للنصب نتيجة شرائه سلعة مغايرة للمواصفات المعروضة على الأنترنت، ويقع ضحية الغش والسرقة، فغياب الثقافة الحقيقية للتسوق الالكتروني، وسوء فهم التقنية الالكترونية للتسوق، وغياب عامل الثقة بين المستهلك والبائع، لايزال يشكّل حداً فاصلاً بين المواطن وهذا النوع من التسوق، لذا فإن المجتمع السوري بأمس الحاجة لاهتمام وزارة الاقتصاد، وقيامها بتفعيل التوصيات، ووضع آليات، وسن قوانين وأنظمة لهذا التسوق، وتطبيق غرامات صارمة على بيع أية سلعة لا تستوفي الشروط.
ميس بركات