الســــلع المهربــــة وخطهــــا البيانـــي الصــــاعد
التهريب ظاهرة قديمة متجددة، يندر أن يخلو من شرها بلد من بلدان العالم، ولكن بعض الشر أهون من بعض، وقطرنا يشكو من هذه الظاهرة، شكوى تكاد تتفاقم صعوداً بدلاً من وجوب انحسارها هبوطاً، ومن المؤكد أن هذا التفاقم ازداد في المناطق التي سيطرت عليها المجموعات الإرهابية لأمد معين، ولكن اللافت للانتباه أن المناطق الآمنة لم تخلُ من هذه الظاهرة، بل شهدت بعض التفاقم.
للتهريب مخاطره الكبيرة وخاصة فيما يخص تهريب الأغذية غير المراقبة صحياً، وخاصة أغذية الأطفال والأدوية غير الموثوقة تركيبياً، أكان فيما يخص الأدوية البشرية، وتحديداً الخاصة بالأمراض المزمنة، أم فيما يخص العلف الحيواني والأدوية البيطرية، والخطر الكبير تجلى في سوء نوعية الأدوية الصيدلية الزراعية كالمبيدات الزراعية والحشرية وما يسمى المواد المغذية للنبات، إذ يندر أن تكون مادة غذائية أو دوائية مهربة مضمونة التركيب، وما نشهده من تفشٍ كبير لبعض الأمراض النباتية والحيوانية، يعود في أغلبه لسوء المواد الغذائية والعلاجية المستخدمة القادمة تهريباً، فما من مزارع ولا مربي حيوان إلا ويشكو من ذلك، وبعضهم أصبح في حكم المنكوب، وخاصة شريحة صغار المنتجين.
والمؤسف أنه قد ثبت فقدان الضمانة في بعض المواد المستوردة نظامياً؛ فلسنوات مضت حدث أن صودرت وأعيدت أكثر من مادة إلى مصادرها أكثر من مرة لثبوت عدم صلاحيتها، وربما بعضها لم يكتشف، أو تمت التغطية عليه، وبقي قيد الاستخدام، ونجم عن استخدامه عواقب كبيرة، خاصة أن معظم مستخدمي هذه المواد غير ملمين بسلامة وجودة مركباتها، ولا بشرعية وجودها. واللافت للانتباه أن البعض يروجون للقادم من الخارج – انطلاقاً من مقولة الفرنجي برنجي – رغم وجود مواد مماثلة ذات إنتاج محلي أو مستوردة ومراقبة رسمياً، ما يسيء للمنتج والمستورد والمواطن.
والخطورة الأكبر تتجلى في تهريب المواد الكمالية المغرية للمستهلك والخالية من أية منفعة مادية قد يحققها شاريها، وخاصة المواد التي تخص النساء أو جيل الشباب أو الأطفال، ونتذكر المفرقعات التي انتشرت بكثافة في مناسبات الأعياد، ومدعاة للسرور أننا نشهد انخفاض وجودها قي السنوات الأخيرة.
لا جدال أن دخول بعض المواد المهربة لا يخلو من أسباب، فمنها ما يدخل القطر نتيجة حاجة المستهلك أو المنتج له، وندرة أو عدم وجود مثيله المحلي -أكان منتجاً أم مستورداً رسمياً بالكمية الكافية أو بالسعر المقبول، أم نتيجة الترويج أياً كانت الجهة المروجة- بأن المتوفر محلياً ضعيف الفاعلية، والمهرب ذو فاعلية أجدى، ما يفتح تشريع باب التهريب لغاية تأمين نقص الكمية، أو التخفيف من ارتفاع السعر. والأخطر هو التهريب الذي يتم نتيجة أطماع المهربين، لتحقيق أرباح كبيرة، غير مبالين بانعكاس ذلك على الوطن أو المواطن.
ولا بد من الإشارة إلى أن مخاطر تهريب الموجود داخل القطر إلى خارجه لا يقل خطورة عن تهريب الخارج إلى الداخل، مع التأكيد أنه غالباً ما يكون المهرب من الداخل يتصف بالجودة، وحاجة الداخل له، خلافاً لما هو مهرب من الخارج، ورغم ما هو متفق عليه من مخاطر التهريب، إلا أنه من المجمع على فوائده في حالات خاصة، حال وجود نوع من الحصار الاقتصادي يمنعنا من استيراد مادة استهلاكية أو إنتاجية، نحن بأمس الحاجة لها، أو يمنعنا من تصدير فائض إنتاج لدينا، ونحن بأمس الحاجة لتصديره.
أياً كانت الحالة القائمة فحضور الدولة بكافة أجهزتها المعنية حاجة وطنية، أكان ذلك على الحدود أم في الداخل والتعامل مع كافة الحالات من منطلق الحفاظ على الوطن والمواطن معاً، شريطة السعي التام لتأمين ما نحتاج إليه عبر الاستيراد الرسمي المدروس كمية ونوعية وسعراً، ما يحقق ريعية تصب في الميزانية العام للدولة، بالتوازي مع الرقابة الشديدة على كل ما هو مهرب، وفرض أشد العقوبات حال وجود مخاطر، وتحديداً الصحي منها، ما يجعل المهرب يعد للمئة قبل إقدامه، وعلى المستهلك والمنتج معاً أن يكونا على حذر تام من استخدام أي منتج غير موثوق، وخاصة حال كان المصدر مصنفاً في خانة الخصوم، لا بل ضرورة المسارعة لإعلام السلطات المعنية عن ذلك.
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية