نذُر حرب طاحنة تهدّد العاصمة الليبية
لا تزال العاصمة الليبية طرابلس تعيش تحت وقع الاشتباكات العنيفة المستمرة منذ الأحد الماضي، وأفادت مصادر محلية برصد سيارات ومدرعات وآليات عسكرية توجّهت إلى طريق النهر بخلة الفرجان جنوب المدينة، وأكدت استمرار إطلاق النار وسماع دوي قذائف بالقرب من معسكر اليرموك، بالتزامن مع تزايد أعداد الحشود المسلحة في عدة مناطق في محيط العاصمة طرابلس.
وذكر موقع “بوابة الوسط” الليبي، أن هذه التطوّرات تجري وسط مخاوف متزايدة لسكان طرابلس من انفجار الوضع في ضواحي المدينة وانتقاله إلى وسط العاصمة في أي لحظة أمام عمليات التحشيد العسكري الكبيرة التي تجري بين “اللواء السابع” و”الكانيات” من جهة، ضد كتيبتي ثوار طرابلس والنواصي من جهة ثانية.
وقال سكان محليون جنوب طرابلس: إن طيراناً حربياً قصف مواقع لتمركزات عناصر “اللواء السابع” على الطريق بين منطقتي وادي الربيع وقصر بن غشير.
بدورها، أعلنت الشركة العامة للكهرباء إصابة خط نقل الطاقة الهضبة – عين زارة جهد 220 ك.ف بسبب الاشتباكات المسلحة الجارية في العاصمة، ما أدى إلى محدودية نقل الطاقة ووضع الشبكة في حالة حرجة.
وصباح أمس ذكر شهود عيان أنهم سمعوا أصوات قذائف في منطقة خلة الفرجان، بينما أكد الناطق باسم قوات الأمن المركزي لكتيبة “أبوسليم”، مهند معمر، في تصريح خاص لموقع “بوابة الوسط”، تعرّض أحياء في طرابلس “لقصف بالأسلحة الثقيلة من ميليشيا الكاني”، مشيراً إلى “حالة نزوح غير معهودة في منطقة صلاح الدين”، وإلى احتراق 4 منازل بمنطقة صلاح الدين نتيجة القصف ما خلّف جرحى من المدنيين.
من جانبه، صرّح آمر كتيبة “ثوار طرابلس”، هيثم التاجوري، بأن مخازن السلاح مفتوحة من الألف إلى الياء من أجل طرابلس وأهلها لصد العدوان وكف المعتدي، وتابع: “ومهما طالت الحرب فلدينا مدد ولكل شيء حساب وعندنا عهد ومعنا الحق وفِي الحرب رجال”.
وتشهد ضواحي جنوب شرق العاصمة طرابلس، منذ الأحد، توتراً أمنياً تصاعدت حدته إلى اشتباكات عنيفة منذ فجر الاثنين بين ميليشيات تتبع لكتيبتي “ثوار طرابلس” “والنواصي” ومعها قوات الدعم المركزي “أبوسليم” من جهة، و”اللواء السابع” والقوات المتحالفة معها المعروفة جميعاً باسم “الكانيات”، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، وإخلاء 21 عائلة عالقة من منطقة عين زارة.
سياسياً، وضعت الاشتباكات المستمرة دعوات الأسرة الدولية إلى إجراء انتخابات قبل نهاية العام في مهبّ الريح، رغم تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جديد تصميمه على الدفع قدماً بالاتفاق الذي أبرم بين مختلف الأطراف الليبيين في أيار الماضي في باريس، والذي نصّ خصوصاً على إجراء انتخابات في كانون الأول.
واعتبر محلّلون أن انقسام البلاد وانعدام الأمن وغياب بعض الجهات المؤثرة على الأرض عن اجتماع باريس، هي عوامل لا تبشر بقرب الوصول إلى حل سياسي في ليبيا، إذ إن النزاع على السلطة لا يزال قائماً بين حكومة الوفاق الوطني، والحكومة التي تحظى بتأييد آخر برلمان منتخب، ويدعمها المشير خليفة حفتر على رأس الجيش الوطني الليبي.
وقد عجزت حكومة الوفاق حتى الآن عن تشكيل جيش وقوات أمنية نظامية، واضطرت للتعويل على ميليشيات مسلحة لضمان الأمن في العاصمة.
وقالت فيديريكا سايني فاسانوتي من معهد بروكينغز في واشنطن: إن الفصائل المسلحة “تولّت السلطة في ليبيا من دون أن تتمكن أية مؤسسة رسمية من الوقوف بوجهها”، وأشارت إلى أن “هذه المجموعات المسلحة قوية إلى حد تهديد أولئك الذين من المفترض أن يكونوا مسؤولين عنها”.
من جهته، رأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة طرابلس خالد المنتصر أنه “يجب تشكيل قوة أمنية خاصة تكون مهمتها حماية مؤسسات الدولة وتحضير أجواء مؤاتية لإجراء الانتخابات، وفي ظل الظروف الحالية، سيكون من المستحيل تنظيم حتى انتخابات بلدية، وخصوصاً في طرابلس”.
وأشار الباحث الليبي في الشؤون السياسية عماد جلول إلى أن العامل “الأمني هو عنصر أساسي لإجراء الانتخابات، ولذلك فإن الاعتماد على قادة المجموعات المسلحة غير القادرة على السيطرة على رجالها، هو أمر سخيف”.
وفي تقرير حديث بعنوان “عاصمة الميليشيات”، اعتبرت منظمة “سمول ارمز سورفاي” غير الحكومية المتخصصة في تحليل النزاعات المسلحة ومقرها جنيف، أن “ميليشيات طرابلس الكبرى تحوّلت إلى شبكات إجرامية تتعاطى في السياسة وإدارة الأعمال والحكم”، وأضافت: إن هذه المجموعات “تسللت إلى داخل المؤسسات الرسمية، وهي باتت قادرة على تنسيق أعمالها في العديد منها، أما الحكومة فهي عاجزة عن الوقوف بوجه النفوذ المتنامي للميليشيات”.
وحسب محللين، فإن بإمكان هذه الفصائل منع إجراء أي انتخابات، في حال تبيّّن لها أنها لا تخدم مصالحها.
وتطالب أطراف ليبية عدة فاعلة باعتماد مشروع دستور عبر استفتاء قبل أي انتخابات، لتجنب الدخول في فترة انتقالية جديدة.
وتعيش ليبيا حالة من عدم الاستقرار وانعدام الأمن والاقتتال الداخلي بين ميليشيات محلية وأخرى تنتمي إلى تنظيم القاعدة، وذلك بعد عدوان حلف شمال الأطلسي “ناتو” عسكرياً عليها في آذار عام 2011، حيث مهّد الطريق أمام ظهور مليشيات متطرفة نشرت الإرهاب في أرجاء البلاد.