من سيقرر مسار الحرب التجارية؟!
وصلت الحماسة الأمريكية لافتعال حرب تجارية مع الصين إلى ذروتها، حيث تم توجيه اتهامات ضد مبادرة الحزام والطريق خلال عشاء ضم كبار المديرين التنفيذيين في إدارة ترامب وكبار موظفي البيت الأبيض والذين اعتبروها مبادرة “مهينة” وتستطيع تعطيل التجارة في جميع أنحاء العالم. وقد باتت تبرز إلى العلن يوميا تقريبا في الولايات المتحدة الأمريكية التصريحات والأفعال المتشددة تجاه الصين، حيث بدأت واشنطن شن حرب تجارية فعلية مع بكين، وهي الآن تنتقد مبادرة الحزام والطريق الصينية، فما هي دوافع وحيثيات هذا الموقف المتشنج؟
يعود السبب الرئيسي في ذلك إلى شعور البعض في واشنطن بأن تفكير الولايات المتحدة الجيوسياسي القديم لن يساعدها على كسب حرب تجارية تتعارض مع مسار التاريخ.
على الرغم من إعلان واشنطن أن حربها التجارية تهدف لتحقيق التوازن التجاري بين البلدين، إلا أن الكثيرين يعتقدون أن غرضها الفعلي هو عرقلة التطور التكنولوجي الصيني واحتواء الأنموذج الاقتصادي الصيني.
ومع ذلك، لا تستطيع الحرب التجارية تحقيق أهدافها مع زيادة الفائض التجاري للصين مقابل الولايات المتحدة، فالشعب الصيني يدعم جهد بلاده في التطوير التكنولوجي والإصلاح الاقتصادي، ولذلك من السخف بدء حرب رسوم جمركية تجاه الصين.
لقد هاجمت الولايات المتحدة مبادرة الحزام والطريق، وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن رصد 113 مليون دولار لمنطقة المحيط الهادي تركز على البنية التحتية، الأمر الذي فسرته وسائل الإعلام الغربية بأنه نوع من المجابهة لمبادرة الحزام والطريق، فواشنطن تريد القضاء على التأثير الجيوسياسي لهذه المبادرة رغم أنها مبادرة ليست جيوسياسية.
تتسم مبادرة الحزام والطريق بانفتاحها على العالم الخارجي، وهي تقوم على التبادل المتكافئ دون التدخل السياسي في أي بلد؛ ولذلك فإن الولايات المتحدة ستفشل بمحاولتها وضع حد لـ “النفوذ الجيوسياسي” للصين في تلك البلدان.
إن التفكير والنهج الاستراتيجي الأمريكي يتخلفان في مواكبة العصر، وأهدافهما غير واقعية. وبالتالي، فإن استفزاز واشنطن غير الفعال يضر بها فقط، وغضبها وقلقها يدفعانها للإعلان عن انتصارات وهمية.
ويمكن أن تشكل سياسة “أمريكا أولا”، في حدها الأعلى، طموحا يشجع الولايات المتحدة، إلاّ أن الإدارة الحالية تعتبرها بمثابة الحد الأدنى المطلوب من البشر، وأن لها أهدافاً مشتركة في جميع أنحاء العالم، أما ما هو مطلوب من الأمريكيين فهو انتخاب الرئيس فقط، والتمتع بالنتائج.
ويمكن اعتبار الحرب التجارية محاولة لتكريس الهيمنة الأمريكية، فواشنطن لن تقبل بصعود بكين في مرحلة تعاني فيها الكثير من المشكلات. لقد تبنت الصين حتى الآن استراتيجية ناجحة ضد استراتيجية “أمريكا أولا” الغريبة، ومطلوب من الصين أن تقف بحزم أمام التأثير الشديد الذي أحدثته الحرب التجارية، وتجعل الولايات المتحدة تعاني في الوقت ذاته، وأن تصمد في المعركة التجارية حتى تدرك واشنطن أنها ارتكبت خطأ.
وسوف تجد الصين طريقها للخروج من الحرب التجارية دون الانخراط في تصرفات تشابه الطريقة الجنونية للولايات المتحدة. إن شكوك الرأي العام الأمريكي بشأن الطلاب الصينيين الذين يتجسسون على أمريكا، وإطلاق حملة ملاحقات هي أشبه بمطاردة السحرة، تدل على أن هناك شيئا خطيرا في أيديولوجية الولايات المتحدة.
تشجع الصين على الإصلاح والانفتاح، حتى وهي تواجه الحرب التجارية، وتعمل على طمأنة الشركات الأمريكية في الصين، بينما تضع الولايات المتحدة الصعوبات أمام الشركات الصينية. من الواضح إذن من هو الأكثر انفتاحا والأقدر على التعامل مع التحديات، فقدرة الصين وهدوؤها سيقرران مسار الحرب التجارية.
عناية ناصر