دراساتصحيفة البعث

نقطة تحول في الإعلام الغربي

 

د. مازن المغربي

إن من يتابع الصحف الصادرة في أوروبا الغربية هذه الأيام سيجد العديد من المقالات التي تتحدث عن انتصار الدولة السورية، صحيح أن معظم الكتابات تستخدم مفردات تجاوزها الزمن، وتحاول الترويج لفكرة أن انتصار الدولة السورية لا يعني أن الحرب انتهت، ولكن من الواضح أن قادة بلدان الغرب أدركوا الحقائق، وبدؤوا بالإعداد للمرحلة القادمة التي ستفرض حتماً ضرورة التعامل مع الحكومة السورية بوصفها الممثّل الوحيد للشعب السوري.

ضمن هذا السياق نشر الموقع الالكتروني لصحيفة دي تزايت، وهي من أهم صحف ألمانيا، بتاريخ الحادي عشر من شهر آب الجاري مقالاً تحليلياً بقلم كريستين هلبرغ غطى خمس صفحات كاملة تحت عنوان: “لا أحد يستطيع صد الأسد”، استعرضت الكاتبة من خلاله تطور الأوضاع في محافظة ادلب على مدى سنوات الأزمة في سورية، وكيف تحولت المحافظة إلى نقطة تجمع للعديد من الفصائل المتناحرة، ورأت أن مصير مدينة ادلب صار محسوماً، وأن انتصار الدولة في هذه المعركة سيعني حسم الأمور، ونهاية ما سمي بالثورة السورية، وأشارت الكاتبة إلى واقع تخلي الدول الغربية عن المجموعات المسلحة، وذكرت أن الحكومة الألمانية أوقفت كل مشاريع مساعداتها لمدينة ادلب منذ العام الماضي بحجة الحرص على عدم وصول الأموال إلى جماعات متطرفة، كما لو أن تطرف هذه الجماعات هو بالأمر الجديد، ولا يمثّل جوهر مشاريعها السياسية، وبدا واضحاً أن ما يشغل بال المسؤولين في الغرب يتعلق بتداعيات نتيجة المعركة، مع الإقرار  بأن لا أحد في دول الجوار يرغب في استقبال الجماعات المسلحة، ولا حتى المدنيين الذين لن يكون أمامهم سوى الرضوخ للأمر الواقع، وتضمن المقال إشارة إلى من وصفتهم الكاتبة بالناشطين المدنيين الذين أبدت تعاطفاً واضحاً معهم، لكنها اعترفت بأن الحكومات الغربية قررت التخلي عنهم، ولن تكون لديهم فرصة للجوء إلى بلدان الغرب.

وسبق لهذا الموقع نشر مقال بتاريخ التاسع من شهر آب الجاري حول الوضع في محافظة ادلب، جاء فيه إقرار واضح بأن معظم أفراد المجموعات المسلحة هم من المتطرفين الذين لا يرغب أحد في استقبالهم.

وكان الموضوع السوري حاضراً في الصحافة السويسرية، حيث نشر موقع صحيفة نوى تزوريخر تزايتونغ، وهي أوسع الصحف السويسرية الناطقة بالألمانية انتشاراً، مقالاً بتاريخ التاسع من آب الجاري تضمن صورة مأخوذة من وكالة سانا نرى فيها مجموعة من جنود الجيش تحيط بالعلم السوري الوطني فوق أحد المواقع التي تم انتزاعها من المجموعات المسلحة.

بدورها نشرت صحيفة التايمز اللندنية في الحادي عشر من الشهر الجاري مقالاً حول استعدادات الدولة السورية لحسم الوضع في ادلب انطلاقاً من حسابات تتعلق بموضوع السيادة الوطنية، وحرية اتخاذ القرارات الكبرى، حيث أشارت الصحيفة إلى أن هذا القرار لم يأخذ بعين الاعتبار ميل الحليف الروسي للتمهل، ولا مناشدات الأمم المتحدة لبذل المزيد من الجهود بهدف التوصل إلى مصالحة مماثلة لما جرى في مناطق مختلفة من سورية.

ولم تخرج الصحف الفرنسية عن مسار التحول، حيث نشرت صحيفة لوفيغارو في السادس من آب الجاري مقالاً حمل عنوان تركيا تغلق حدودها في وجه اللاجئين السوريين، وجاء في المقال بأن تركيا التي راهنت طويلاً على إسقاط الحكومة السورية، بدأت بتعديل سلوكها، وكانت البداية هي مسألة اللاجئين، والخوف من تدفق موجة جديدة منهم نتيجة للمواجهة في محافظة ادلب بعد فشل كل الجهود التركية لتنظيم صفوف العصابات المسلحة، ومحاولة التعمية على واقع رجحان كفة التنظيمات المصنفة ضمن الجماعات الإرهابية.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي نشرت صحيفة واشنطن بوست في السادس والعشرين من شهر تموز الماضي مقالاً حول إجراءات طبقتها الحكومة السورية فيما يتعلق بملفات المفقودين تشير بوضوح إلى أن الحكومة السورية ربحت الحرب، واعتبرت أن الموضوع مرتبط بثقة الدولة السورية بأنها قادرة على إدارة مختلف الملفات بطريقة علنية، ورأت الصحيفة أن الرئيس السوري يشعر بالاطمئنان، ويستعد لإغلاق ملف الحرب التي مضى على اندلاعها سبع سنوات، وضمن هذا السياق يمكن إدراج المقال الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الثامن من شهر آب الجاري حول وضع السوريين في لبنان، وتوقهم للعودة إلى بلادهم بعد أن اتضحت  الصورة، وصار الوضع في سورية أفضل بما لا يقاس فيما يتعلق بالخدمات العامة.

ومن الواضح أن تبدل الخطاب الإعلامي مرتبط بمشاريع إعادة إعمار سورية التي يبدو أنها صارت جاهزة، ومن المرجح أن تتم بتمويل سوري، وبدعم من الدول الصديقة، وفق ما صرح به السيد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة، وبالتالي لا يمكن استبعاد أن تقوم الحكومات التي موّلت الحرب العدوانية على سورية بمحاولة التفاف لتتمكن من منح شركاتها فرصة للمشاركة في ورشة إعادة إعمار عملاقة ستعيد رسم الخارطة العمرانية بشكل مدروس يناسب متطلبات تطوير البلاد، وتوفير بناء بنية تحتية مناسبة لقفزة اقتصادية يأمل الكثيرون في أن تكون نقطة تلاقي السوريين وتعاونهم في بناء بلد يتسع للجميع.