الغرق في وحول العار
تنتاب الشارع، في مختلف الدول العربية، حالة واضحة من السخط بسبب تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل عام. وفي البلدان التي اجتاحتها حرائق ما سُمي “الربيع العربي”، مازال بعض حكامها يرفع شعار “الثورة” المزعومة، ويتشدق بها، بينما بلاده غارقة في أزمة خانقة، ولا يتورع عن الإشادة بإنجازاتها العظيمة، بينما شعبه يتحسر على العهد السابق، ويعض أصابعه ندماً على انسياقه وراء الكذبة الكبيرة التي ألبسوها لباس الثورة، وزينوها بكل زينة ممكنة، حتى إذا انقضى الليل، وطلعت الشمس، بان وجهها الحقيقي، فإذا بها مؤامرة جهنمية سرقت أحلام الناس، وفقّرت أوطانهم، وقدمتها لقمة سائغة للقوى الخارجية الطامعة، ومن يدور في فلكها من مؤسسات دولية متخصصة في تجويع الشعوب، وتشويه تنميتها، ومصادرة قرارها الوطني، والتحكم بنهجها الاقتصادي والسياسي…
ورغم ذلك، مازال بعض المعارضين السوريين الذين يتباكون على سورية بسبب ضخامة الدمار الذي أصابها، يزعمون أنه كان بإمكانها أن تتفادى ذلك لو أن “نظامها” استجاب لمطالب الشعب، ولما كانت تعرضت الى ما تعرضت إليه…!!. ومن المؤكد أن من يقول هذا هو إما جاهل لا يفهم شيئاً في أمور السياسة، وهذا مستبعد عمن يحملون شهادات علمية عليا، ولهم باع في الشأن السياسي والفكري، أو أنه بوق من أبواق المؤامرة الكبرى التي استهدفت سورية، وهذا هو الأرجح…
ولذلك فلا أحد اليوم يصدق هذا الكلام، وباستثناء جماعات الإسلام السياسي، بمختلف اتجاهاتهم، وقواعدهم الاجتماعية، وحلفائهم من المنظمات والأحزاب ذات التوجهات “الحقوقية” المشبوهة، فإن أغلبية الجماهير العربية، وقواها الوطنية تعرف الحقيقة، وتعلم، علم اليقين، أنه لو قُدّر للثورة السورية المزعومة أن تنجح، فإن ذلك لم يكن سيجنّب البلاد ما حدث فيها من خراب ودمار على يد الإرهابيين التكفيريين، بل كان سيزيد طين ذلك الدمار بلة، ويضيف عليه تقسيم البلاد، والزج بها في حروب طائفية ومذهبية مزمنة، وإخضاعها للسيطرة الأجنبية، ونهب ثرواتها، وإهدار كرامة شعبها. مما يعني القضاء على الحامل الرئيس للمشروع العروبي المقاوِم، والمناهض للمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة، وتحقيق أهداف هذا المشروع الاستعماري السرطاني الخبيث بكل سهولة…
دعْكُم من الأصوات الناشزة التي مازال أصحابها المنفصلون عن الواقع مستمرين في الترويج للرواية المفبركة عما جرى ويجري في سورية ، فالذين فبركوا تلك الرواية، منذ البداية، هم الذين فبركوا بعد ذلك سيناريوهات الهجمات الكيميائية المزعومة لاتهام الجيش وتبرير العدوان الخارجي، وهم الذين مازالوا، حتى اليوم، ورغم ظهور الحقيقة، مستعدين لفعل أي شيء، وارتكاب أية جريمة، مهما كانت قذارتها وبشاعتها، في سبيل منع سورية من استكمال نصرها على الإرهاب، وتحرير أرضها منه حتى آخر شبر، والمحافظة على وحدة ترابها وشعبها، وصولاً الى تحقيق الحل السياسي الوطني الذي يريده السوريون بإرادتهم الحرة، ودون تدخل خارجي من أي نوع كان…
وها هي سورية التي تتطلع لها الملايين على امتداد ساحة الوطن الكبير قد قطعت الشوط الأهم في مواجهة العدوان الخارجي، والانتصار على أدواته. وهي الآن تقترب من تحقيق نصرها النهائي غير آبهة بكل أنواع التهديد والوعيد، ومستعدة أتم الاستعداد لمواجهة أي عدوان يحاول عرقلة هدفها. والسوريون، شعباً وجيشاً وقيادة هم الذين يصنعون اليوم، بتضحياتهم الكبيرة، تاريخاً جديداً لوطنهم، ولأمتهم العربية، بل قل للإنسانية كلها، وأما أعداؤهم، أعداء الشعوب والحرية والعدالة والخير والحق، فإنهم يزدادون، بأفعالهم المتوحشة، غرقاً في وحول العار.
محمد كنايسي