هل العلّة في الدّين أم في التديّن ؟
عبد الكريم النّاعم
الأحداث الكبيرة تترك أسئلة كبيرة، وفتنة الخراب العربي تركتْ، وسوف تترك أسئلة عميقة، وصادمة، وفاصلة، ولعلّ أهمّ هذه الأسئلة، وأخطرها، ما يتعلّق بمسألة (الدّين)، فقد روّعت الفظائع الشنيعة المرتَكَبة ضدّ أبناء هذا الشعب.. روّعت العباد، وكان أخطر ما فيها أنّها ارتُكبت باسم الدّين، وباسم بعض الفتاوى، حتى أن التحريض الخارجيّ الذي ضخّته فضائيات البترودولار اعتمدت على أصحاب اللحى الحضن، وبعد أن دُحرت الفتنة على أيدي أبناء هذا الشعب، بجميع أطيافه، وبمساندة لا تُنكر من قبل حلفائنا، صارت الفرصة مُتاحة لإثارة بعض الأسئلة، لاسيّما وأنّها ليست أسئلة افتراضيّة، بل هي ممّا يُثار في الجلسات وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، ولعلّ أكثرها إحراجاً هو إثارة (ضرورة) التخلّي عن (الدّين)، لكي لا تتسلّل عبر فتحاته فتنة جديدة، لاسيّما وأنّ جميع الحرائق التي أُوقدت في سوريّة منذ 1963 كانت تُسعّر باسم الدين.
هنا لابد من طرح سؤال أساس وهو هل العلّة في (الدّين) أم في (فهم) الدين؟!. والذي لا نختلف فيه أنّ جميع الأديان الإنسانية تدعو إلى خير الإنسان، ولكنّ (تفسير) الدّين، في تفرّعاته المذهبيّة والفِرَقيّة هو الذي يقود البعض إلى الجنوح، والتطرّف، والخروج عن حدّ الاعتدال، تلك نقطة أولى.
النقطة الثانية هي هل يمكن (إلغاء) الدّين بقرار؟!، ربّما توهّم البعض ذلك، بيد أنّ الوقائع تقول إنّ الإنسان أحوج ما يكون إلى (عقيدة) ما، يرى فيها انتماءه الفكريّ، وما من فترة مرّت في التاريخ البشريّ وكان فيها المجتمع كلّه بلا دين، وهذه أوراق التاريخ أمامنا، حتى في الفترة التي سيطر فيها الشيوعيّون في روسيا، وكان الإلحاد يُدرَّس رسميا، ظلّ معظم الناس يعقدون زيجاتهم، ويعمّدون أولادهم في الكنائس، إذن على الذين يتوهّمون أنّ شطب الدين يمكن أن يخرجهم من هذا الوهم، وأن يُدركوا أنّ حلقاتهم، وأصدقاءهم، ومَن ماثلهم ليسوا كلّ المجتمع، بل قد يكونون الفئة الأقلّ عددا، وأنا لا أتكلّم عن (الوعي) بل عن (العدد).
لقد عرف التاريخ الطويل مدرستان رئيستان فيما يتعلّق بمسألة الإيمان أو عدمه، المؤمنون بوجود خالق، ومنكرو ذلك، وعبر التاريخ لم يُحسّم هذا الأمر، أوليس المطالبة بحسمه الآن في سوريّة طفولة تفتقر إلى إدراك حقائق الواقع؟!.
العلّة في (المتديّن)، وفي فهمه لدينه، وليست في صميم (الدّين)، في (المذهب) الذي يستبيح الكبائر باسم الدّين، في المذهب الذي أُحِلّ محلّ الدين وهو مجرد (مذهب)، أي طريق فيه.
لا أعتقد أنّ ثمّة مخرَجا إلاّ اعتماد (المواطنة) بدلا من تأجيج نار المذهبيّة، والمواطنة تتيح لك أن تكون مؤمنا أو غير مؤمن، فهذا شأنك مع الله، شريطة ألاّ يكون فيما تفعله ما يضيّق على الآخرين أو يؤذيهم، أما الذي لا حريّة لك فيه فهو أن تكون مواطنا صالحا في القول والعمل، وهاهي بلدان أوروبا أمامنا خير شاهد.
إذن فلنخرجْ ممّا لا يسعنا، إلى ما يسعنا.
aaalnaem@gmail.com