الكرامة… مفهوماً سياسياً!..
د. مهدي دخل الله
يستخدم لساننا السياسي مصطلح “الكرامة” بشكل مكرور لدرجة أنه أصبح واحداً من المصطلحات الأكثر استخداماً، وقد يثيرُ هذا اللفظُ نوعاً من الارتباك، إذ إنه من حيث الشكل ليس مصطلحاً سياسياً، ولم تستخدمه العلوم السياسية بين مفرداتها قط…
لهذا يعتقد بعض الباحثين أن “الكرامة” لفظٌ يقع في دائرة اللغة الإنشائية، حيث التعبير يقترب من الأدب ومفرداته أكثر من علاقته بالسياسة وظواهرها..
إضافة إلى ذلك فإن الكرامة غالباً ما تتعلّق بالفرد وليس بالمجتمع، فهي مفهوم أخلاقي بكل ما في ذلك من معنى، فهل هناك ما يسوّغ استخدام هذا اللفظ بالمعنى السياسي؟…
في تسعينيات القرن الماضي زار مسؤول سوري الولايات المتحدة في إطار مفاوضات (شيبردز تاون)، التقى عندها وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، وقد اشتهرت بصراحتها إلى حد الفجاجة. سألته: عجيب أمركم أنتم السوريون، فعندما يزورنا أي مسؤول من العالم العربي يقدّم لنا قائمةً من الطلبات المختلفة لمساعدة بلده، أما أنتم فلا تطلبون منا شيئاً.
أجابها المسؤول السوري فوراً: ذلك لأن لدينا كرامة. أطرقت أولبرايت ملياً ثم قالت: آه، لأول مرة أرى أن للكرامة معنى سياسياً.
ربما أراد المسؤول السوري القول: إننا لسنا “متسولين” كغيرنا، لكن الوزيرة الأمريكية فهمت المعنى الحقيقي للكرامة في المجال السياسي، إنها تعني الاستقلال، وهو لا شك مفهوم سياسي بكل ما في السياسة من معنى..
هل يمكن أن نطلق على محور الاستقلال مصطلح “محور الكرامة”؟.
ولم لا؟؟.. بل إن هذا المصطلح أعمق وقعاً في النفس من “محور الاستقلال”، لأن الكرامة لفظ يدغدغ النفس والمشاعر، والمشاعر نفسها لها بعد سياسي أيضاً، فهل يمكن الدفاع عن الوطن واستقلاله إن لم يكن لدى المدافعين قدر كبير من المشاعر الوطنية؟ ثم أليس الناتج النهائي لهذه المشاعر الوطنية سياسياً بامتياز، لأنه يعني “الاستقلال” وهذا مفهوم سياسي؟…
لا يضير السياسة أبداً استعارة مصطلحات من عالم المشاعر والأخلاق والأدب، لأن كل سياسة سياستان: سياسة مؤدبة وأخرى قليلة الأدب.
mahdidakhlala@gmail.com